الإرهابي ينال ما يستحقه!

TT

واشنطن - انتهز منتقدو قرار الرئيس أوباما بمحاكمة معتقلي غوانتانامو أمام المحاكم الفيدرالية بالحكم الصادر في قضية أحمد جيلاني، وساقوه كدليل على الفشل الذريع للمحاكمات الفيدرالية. ودعا ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، في أعقاب قرار هيئة المحلفين يوم الأربعاء بإدانة جيلاني بتهمة واحدة فقط في قضية تفجير سفارات داخل أفريقيا عام 1998، الإدارة الأميركية إلى «الإقرار بخطئها وإعطاء تطمينات بشأن محاكمة الإرهابيين في إطار نظام اللجان العسكرية من الآن فصاعدا».

وجاء الحكم بإدانة جيلاني بالتخطيط لتفجير مبان تابعة للحكومة الأميركية وتبرئته من 284 تهمة أخرى مفاجئا للكثيرين، لكن هذا لا يبرر السماح للخطاب السياسي، مثل خطاب السيناتور ماكونيل بأن يتجاوز الواقع.

وحقيقة الأمر، أن الادعاء تلقى ضربة قوية عندما رفض قاضي المحكمة الفيدرالية بمانهاتن، لويس كابلان، السماح للشاهد الوحيد، الذي يمكن أن يثبت الصلة بين جيلاني والمتفجرات التي استخدمت في التفجيرات، بالإدلاء بشهادته. واتخذ القاضي هذا الموقف نتيجة زعم جيلاني أنه كشف عن هوية هذا الشاهد بعد خضوعه لتعذيب على يد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. لم يطعن الادعاء ضد هذا الزعم، بل أوضح أن تحديد هوية هذا «الشاهد المهم بالنسبة إلى الحكومة» لم يكن يرتبط إلى حد بعيد بالتحقيق مع جيلاني.

ولم يوافق القاضي كابلان على هذا، وقال إن الأميركيين لا يمكنهم تحمل السماح للخوف بأن «يطغى على المبادئ التي تقوم عليها دولتنا»، وأضاف أن أي قاض بلجنة عسكرية سيصل إلى النتيجة نفسها ويحظر الإدلاء بتلك الشهادة إذا كانت أمامه الملابسات نفسها. وقد سفه كثيرون من هذا الزعم، حيث أصر بيتر كينغ، النائب الجمهوري عن نيويورك، على القول بأن القاضي كابلان حكم على القضية بـ«الإخفاق». لكن نظرة على السجلات توضح أن تقدير القاضي كابلان للقرار، الذي كان من المحتمل أن يتخذه قاضي لجنة عسكرية، كان على أساس سليم.

ومن أمثلة ذلك، قضية محمد جواد، المراهق الأفغاني الذي واجه تهمة الشروع في القتل بسبب إلقائه قنبلة يدوية على سيارة أميركية في كابل عام 2002. وفي عام 2008 لم يأخذ الكولونيل ستيفن هينلي، وهو قاض عسكري، بأقوال تثبت إدانته أدلى بها جواد بعد ضربه وتهديد أسرته أثناء حبسه في أفغانستان. وقد أسقطت عن جواد اتهامات اللجنة العسكرية فيما بعد وأرسلته الولايات المتحدة إلى بلده أفغانستان.

ولا نعرف يقينا ما إذا كان القاضي العسكري سيصل إلى النتيجة التي توصل إليها القاضي كابلان، لكن يبدو هذا ممكنا عند النظر إلى قضية جواد. والذين يزعمون أن الحكومة كانت ستحصل على حكم قضائي أفضل بالنسبة إليهم إذا نظرت لجنة عسكرية في القضية، يتجاهلون تلك السابقة.

وعلى أي حال، يواجه جيلاني حاليا إما حكما بالسجن لمدة عشرين عاما وإما بالسجن مدى الحياة، وحتى إن حصل على الحد الأدنى سيكون أكبر من الحكم الذي حصل عليه المعتقلون الأربعة أو الخمسة الآخرون الذين أدينوا من خلال لجان عسكرية حتى الآن. والمتهم الوحيد الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة كان حمزة البهلول، وذلك بعد أن قاطع محاكمته ولم يوكل أي دفاع.

ويعد عمر خضر، المواطن الكندي الذي كان في الخامسة عشرة عند إلقاء القبض عليه، من المعتقلين الأربعة الذين حضروا محاكماتهم العسكرية ويقضون أطول فترة سجن، بعد اعترافه بجريمة القتل. ومع ذلك لن يقضي عمر سوى ثماني سنوات خلف القضبان، مما يعني أن أقل عقوبة بالسجن قد ينالها جيلاني هو ضعف تلك العقوبة. وحكم على سليم حمدان، سائق أسامة بن لادن السابق، بالسجن لمدة خمس سنوات ونصف السنة في 2008، لكن بعد خصم المدة التي سجن فيها خلال المحاكمة خرج من السجن بعد خمسة أشهر. ولا يوجد أي سبب يدعو إلى افتراض أن حكم اللجنة العسكرية سيكون أشد من أي حكم قد تصدره محكمة فيدرالية.

وإضافة إلى ذلك، ربما يقضي جيلاني فترة العقوبة في السجن الفيدرالي «شديد الحراسة» في مدينة فلورانس بولاية كولورادو، حيث يعتقل مدانون آخرون في قضية تفجيرات السفارة. وفي هذه الحالة سيقضي المزيد من الوقت في الحبس الانفرادي، وسيتمتع بقدر من الامتيازات أقل من تلك التي يتمتع بها المعتقلون تحت أكثر الإجراءات تشديدا في معتقل غوانتانامو.

وموقف الرئيس أوباما لا يحسد عليه عندما يتعلق الأمر بمحاكمة المعتقلين، فأي خيار يتخذه سيواجه بمنتقدين على أحد الجانبين. أتمنى أن يتوقف قليلا ليتأمل ما قاله في إدارة الأرشيف القومي خلال مايو (أيار) 2009: «انتقد البعض محاكمنا الفيدرالية بزعم عدم قدرتها على الاضطلاع بمحاكمة الإرهابيين، وهم مخطئون. تتحلى محاكمنا وهيئات محلفينا ومواطنونا بالحزم الكافي لإدانة الإرهابيين».

لقد حققت محاكمة جيلاني العدالة بكل أمان مع التمسك بالقيم التي تمثل الهوية الأميركية. وينبغي الآن على أوباما أن يتصدى للذين يشيعون الخوف ويريدون أن يعودوا بنا إلى الجانب الخطأ من التاريخ.

* كولونيل سابق في القوات الجوية

ومدير مشروع جرائم الحرب.

* خدمة «نيويورك تايمز»