طبق الأصل وليس الأصل

TT

روى الزميل سليم نصار في مقاله الأسبوعي في «الحياة» حكاية «الرسالة» التي نشرها في مجلة «الحوادث» عام 1976، التي نسبها يومها إلى وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر، في صيغة جواب من الوزير على رسالة بعث بها العميد ريمون إده، في صيغة تصريح رسمي إلى الصحافة.

كان مألوفا في الصحافة يومها شيء يدعى «طبق الأصل»، وذلك بأن تتخيل نفسك مكان سياسي ما، فتضع رسالة أو مقالا موقعا باسمه، كما لو كان هو كاتبه. ثم تلحق ذلك بعبارة «طبق الأصل» لكي يعرف القارئ أن الكاتب هو أنت، وأنك قارئ أفكار وسياسات تقريبية شبه مطابقة للواقع.

فات الزميل سليم نصار، وهو يتخيل رسالة كيسنجر إلى ريمون إده، أن يلحقها بالعبارة التوضيحية. وهكذا بدأت الصحافة اللبنانية والعربية تتناقل «طبق الأصل» على أنه الأصل نفسه، وعلى أنه وثيقة رسمية دامغة يقر فيها كيسنجر شخصيا بأنه يعمل على تقسيم لبنان كما يتهمه ريمون إده.

انتقلت «الوثيقة» من صحيفة إلى صحيفة، ومن مركز أبحاث (عربي طبعا) إلى مركز دراسات (عربي أيضا)، إلى أن أشار إليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مما اضطر الزميل العزيز إلى التوضيح العاجل أولا، ثم إلى كتابة قصة المقال. من المسؤول؟ في صحافة العالم موقع أساسي اسمه «مدقق الحقائق». لا يذهب مقال إلى الطبع، مهما كان صاحبه كبيرا أو صغيرا، إلا بعد المرور على موظف بسيط، غالبا مجرد متدرب، يدعى «مدقق الحقائق».

هذا الموقع لا وجود له في الصحافة العربية؛ لذلك ينشر كاتب مذكراته عن الموتى ووفيات الأعيان ممن عاصر أو ممن عاشوا قبل، ثم يعود وينشرها مرة أخرى، ناسيا ما قد قال من قبل، وما قد قالوا، وما قد جعلهم يقولون. انتهى؟ لا.. لـ«المذكرات» بقية لا تلبث أن تظهر في حلة مختلفة، من دون أن يستطيع أحد من الراحلين إصدار نفي أو توضيح أو تعوذ.

قامت الصحافة العربية منذ قرنين من دون أن يهمها يوما شيء يدعى الحقائق، أو القانون، لكنها تصرف الدهر في التأكد من أن الصحيح في اللغة هو «يحال إلى» لا «يحال على». وتقوم القائمة إذا نسب كاتب بيتا من الشعر إلى أبي تمام وهو للمعري. وليس هذا خطأ بالطبع لكن الخطأ ألا يقال إن جميل البارودي وصل إلى بيروت في زيارة رسمية ويكون ذلك بعد وفاته بأربعين عاما.