الخيار الثالث

TT

كتبت في هذا العمود بعد سقوط صدام حسين وقلت إن على الحلفاء أن يجروا استفتاء فيما إذا كان العراقيون سيفضلون أولا العودة للملكية أم الجمهورية. لم يتم ذلك، فقضوا هذه الأعوام السبعة العجاف في الفوضى والفساد. بيد أنني كنت مقصرا في الموضوع. كان هناك خيار ثالث نسيته. وهو التصويت لوضع البلاد تحت وصاية دولية تتولاها الأمم المتحدة. العيب فيه أن منظمة الأمم المتحدة هي نفسها عامرة باللا كفاءة واستعمال النفوذ وعدم الخبرة. فما العمل؟

بالرجوع للتاريخ نجد أن كثيرا من الدول، وعلى رأسها الهند، الواسعة الأرجاء، كانت تديرها في الواقع وأعدتها للحياة المعاصرة شركات كبرى. كانت شركة الهند الشرقية تدير الهند حتى قررت الحكومة البريطانية تأميم المشروع وتشكيل وزارة خاصة عرفت بوزارة المستعمرات تولت إدارة الهند وعلمت الهنود حكم أنفسهم بالشكل الصحيح الناجح الذي نراه أمامنا اليوم. لم تنجح التجربة عند الباكستانيين والبنغاليين لأن عندهم فلسفة أخرى في الحياة فظلوا يتخبطون في العنف والفوضى والفساد.

أعتقد أن هناك شركات عالمية اليوم تتجاوز ميزانيتها وموجوداتها الكثير من ميزانيات هذه الدول التعبانة في العالم الثالث. بدون شك لها من الخبرة والكفاءة ما يفوق أي حكومة من حكومات هذه الدول الفاشلة التي نالت استقلالها اعتباطا وقبل الأوان. خذوا مثلا شركات النفط والغاز الكبرى. تذكروا أيضا ولا تنسوا شركة الكوكاكولا وسينالكو وسيارات مرسيدس وفولفو وساعات لونجين وأوميغا ومن حذا حذوها. هل سمعتم عن أي مدير أو مهندس فيها يرتشي أو حصل على منصبه لأنه تزوج بابنة فلان أو أن ابن خاله وزير في الحكومة؟ هذه شركات حققت نجاحها بكفاءاتها وجدها وعملها وحرصها على موظفيها ونزاهتهم واستقامتهم.

وهذا ما أقوله.. ينبغي استفتاء الشعب فيما إن كان يفضل أن تتولى شؤونه حكومة وطنية أو شركة وصاية عالمية، ثم يجري انتخاب الشركة المناسبة. «انتخبوا لحكمكم البيبسي كولا - كبيرة ولذيذة وكفؤة» أو «دونكم الدقة في العمل - صوتوا لساعات لونجين». تجلس في المقهى فتسمع الناخبين يتناقشون. يفرغ الأخ عبد الواحد من احتساء قدح السينالكو ثم يلتفت إلى صاحبه «والله يا أبو حسين هذي عشرين سنة أشرب السينالكو ولا شفت منها غير طعمها يتحسن من يوم ليوم. آني راح أعطي صوتي لسينالكو. هي أقدر على حكمنا». ويرد عليه أبو حسين «لا يا أستاذ لا... شوف هذي ساعتي الأوميغا. عشر سنين أنا لابسها. ولا يوم قصرت أو سبقت دقيقة. أوميغا تعلمنا إحنا يا العرب على احترام الوقت. خلينا ننتخبها تدير حكومتنا ونتوكل على الله».

لن تمضي مدة طويلة حتى ينتبه رجال الأعمال لهذه الإمكانيات. جني الأرباح من إدارة شؤون الأمم التعبانة. فتتألف شركات كبرى متخصصة تعمل على إدارة شؤون هذه الأمم المتخلفة وتعليمها احترام حقوق الإنسان واستقلال القضاء وقدسية حياة الآخرين واختيار العاملين حسب الكفاءة والمؤهلات ونحو ذلك من سنن المدنية وسبل التقدم والازدهار. تقوم كثير من الشركات العالمية الآن بتنفيذ شتى المشاريع في بلادنا. لم لا نكلفها بتمشية أمور حكوماتنا وتنظيم حياتنا ومستقبلنا أيضا؟