سفر وعودة ودعاء وحمد

TT

علاقة السعوديين بحكامهم علاقة خاصة ومميزة، لا يوجد إرغام ولا فرض يجبرون فيه على رفع الصور والشعارات ولا بالدعاء التلقائي، ولكن هذا هو حال الواقع.

أيام لافتة يعيشها السعوديون حاليا، فهم يدعون الله أن يعود إليهم مليكهم خادم الحرمين الشريفين طيبا وسالما ومعافى من رحلته العلاجية إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولقد رأى السعوديون نهجا مميزا في تعامل مليك بلادهم مع وعكته، فبعد أن أصدر الديوان الملكي بيانا واضحا عن حالة الملك الصحية وتوصيفها الطبي بأنها انزلاق غضروفي، ومن بعدها أوضح البيان حاجة الملك إلى الراحة، عاود الملك نهج «الشفافية» بالتطبيق، وذلك بظهوره صوتا وصورة وهو يعلق بوضوح وببساطة لشعبه وللعالم عن حالته، وعقب ذلك تصدرت صورته وهو يدخل المستشفى لمواصلة الفحوصات الطبية.

وبعدها صدر بيان جديد من الديوان الملكي يوضح حالة الملك وحاجته إلى فحوصات طبية متخصصة تستدعي سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية بأحد المراكز المجهزة لذلك، وأعقبها تصريح متخصص ومفصل من قبل وزير الصحة السعودي «يشرح» للعامة الحال «المحدد» لوضع الملك الصحي. وأجزم أن ما قام به الملك عبد الله بن عبد العزيز في ما يخص شرح حالته الصحية هو حالة غير مسبوقة أبدا، ليس فقط على المستوى السعودي، بل على مستوى دول العالم الثالث عموما.

وهذا النهج الجميل الذي يظهر فيه الملك تقديرا واحتراما لعقول شعبه ويبادلهم الثقة، هو الذي يولد المحبة والتقدير الفطري والتلقائي وغير المصطنع في نفوس المواطنين من الناس. وفي نفس الوقت ارتاح السعوديون وهم يشاهدون عودة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز بعد رحلة نقاهة ما يقارب ثلاثة أشهر، واطمأنوا فيها على عودته بخير، وهو الرجل ذو المكانة الكبيرة والحضور المهم في محافل كثيرة ومؤثرة في البلاد، والعودة أتت في تاريخ محدد من قبل كما هو معروف، وعاد مع الأمير سلطان غائب آخر عن البلاد وهو أمير الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي كان في رحلة علاجية بسيطة تتعلق بعملية في العمود الفقري، تعامل معها الأمير سلمان أيضا بمنتهى الوضوح والشفافية، مستعرضا في بيان مسبق طبيعة الآلام التي ظهرت عليه والعملية المتطلب إجراؤها والنقاهة المطلوبة بعدها، وشاهد الناس الأمير سلمان بحضوره الوفي مع شقيقه الأمير سلطان في فترة نقاهته وهو يواصل دوره بكل أريحيته وطبيعته.

والأمير سلمان يعود إلى بلاده ومحبيه بعد غياب ليس ببسيط لم يعتَده محبوه، يعود إلى ملء مكانه ومكانته، فهو أمير العاصمة ومحب البلاد؛ فعلى الرغم من اعتزاز الرياض مدينة ومنطقة وسكانا بسلمان وأسلوبه وحنكته فإن السعودية بمجملها تستطيع الجزم بمواقف لافتة ومهمة ومؤثرة لهذا الرجل، فهو على علاقة مباشرة مع الكثيرين من أبناء هذه البلاد في كل مناطقها، يواصلهم ويتواصل معهم ويعرف آباءهم ويعلم عن أجدادهم وتاريخهم ويهتم بتفاصيل مناطقهم، وهناك تكمن «قيمة» الرجل بصورة استثنائية، فهو يتخطى المنصب والموقع والجغرافيا.

المرض والعلاج والصحة والنقاهة هي جميعا مفردات حساسة ومنغصة ومقلقة لدى الكثيرين، منهم من يختار الإنكار في التعامل مع واقعها، وهناك من يختار الوضوح والمكاشفة، وهذا النهج الذي اتُّبع مؤخرا يبعث على الطمأنينة والراحة ويبدد القلق والخوف ويجعل من سيناريوهات الدراما مسألة من نسيج التهويل والمبالغة.

السعوديون اطمأنوا لوضوح حالة مليكهم وعودة ولي عهدهم وأمير عاصمة بلادهم، وستزداد فرحتهم بعودة خادم الحرمين الشريفين سالما معافى لبلاده وشعبه. ولن يكون غريبا أن يستمر الديوان الملكي على نفس السنّة الحسنة التي أطلقها في إصدار بيانات مقتضبة ولكنها شديدة الوضوح عن حالة الملك الصحية، ويتبعها تفسير دقيق من المرجعية الصحية الأساسية في البلاد بلسان وزير الصحة فيها، لكي يوضح الوضع بصورة توضيحية. هذه الإجراءات الممتازة كفيلة بإزالة أي لغط ومنع أي نوع من الإشاعات التي دوما ما تنطلق في أوضاع كهذه.

هذه الطريقة اللائقة التي فيها احترام واضح لعقول الناس وتقدير لنفسياتهم هي التي ستكون «السقف» الجديد المتوقع في التعامل مع هذه النوعية من الأوضاع. القادة ليسوا ملك أنفسهم فقط، ولكنهم ملك شعوبهم، ولم تأتِ من فراغ مقولة المليك في مكاشفته لشعبه حينما قال لهم: «أنا بخير ما دمتم بخير»، وأعتقد أن هذه الكلمة النابعة من قلب رجل محب هي ذاتها التي يبادله فيها الناس بأنهم أيضا بخير ما داموا اطمأنوا عليه. نسأل الله أن يعيد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بخير وصحة لبلاده ومحبيه، ونحمد الله على عودة الأمير سلطان والأمير سلمان معافيين ليمارسا دورهما القيادي الهام.

[email protected]