الكوريون والعرب والمتشابهات

TT

الكوريون، مثل معظم العرب، يؤمنون بأنهم أمة واحدة، يحملون نفس المقومات: اللغة والتاريخ. بل إن الكوريين بالفعل أمة واحدة قسمت قبل سبعين سنة فقط إلى بلدين وليس قبل ألف عام. نصف كوريا الشمالي صار تحت الهيمنة السوفياتية، والنصف الجنوبي مع الولايات المتحدة. هم مثل العرب، هناك كوريون متطرفون يحبون جمع الأسلحة والتهديد بتدمير العالم، وكوريون معتدلون منشغلون بجمع المال وإنفاق المال في السياحة والتبضع. كوريا الشمالية مع كونها أغنى من شقيقتها الجنوبية بالموارد من ذهب إلى فحم، فإنها بسبب قيادتها السياسية المتطرفة الشغوفة بالمشروع النووي العسكري بلد متخلف جدا يعيش على المساعدات. أما كوريا الجنوبية ففقيرة الموارد وكثيرة السكان، 44 مليون نسمة، لكنها تعتبر معجزة صناعية عالمية، حيث حققت نجاحات باهرة، وبفضلها صارت دولة غنية.

في كوريا الشمالية، الأقوى عسكريا والمتخلفة اقتصاديا وتقنيا، تدهورت أوضاعها إلى درجة أنه مات خلال السنوات القليلة الماضية مئات الآلاف من مواطنيها جوعا بسبب سياسة الحكومة التي تسببت في الفشل الزراعي. اليوم تفاخر بسلاحها النووي، وتشغل مواطنيها باستعراضاتها العسكرية التي لا تتوقف، وتزين صدور جنرالاتها بالنياشين الذين يظهرون في الصورة مع زعيمهم، الذي يلقبونه رغما عنهم بالزعيم المحبوب.

كم هي معبرة الحالة الكورية عن حالتنا، والمقاربة بين صراع الأشقاء ليست من قبيل المبالغة باستثناء النتائج. فالكوريون أنجح بكثير، حيث لم تظهر بعد دولة عربية واحدة تماثل كوريا الجنوبية في تقدمها العلمي والصناعي المبهر حقا، كما لا توجد بعد أي دولة عربية قادرة على تصنيع أسلحة متقدمة مثل كوريا الشمالية.

وعندما توترت الأوضاع بين الأشقاء الكوريين أمس وقف العالم على قدميه خوفا من تبعات الحرب بين دولتين، واحدة مهمة للعالم صناعيا والثانية خطرة على العالم نوويا. والخلاف أصله، مثل الخلافات العربية، كان يمكن حسمه بقرار واحد من القيادة، بتناسي الماضي والتعايش كأساس للمستقبل. ولأن كوريا الشمالية هي الطرف الشرير، بحكم تسلحها الهائل، وإعلامها الشرس، وتهديداتها، فإن السلطات الكورية في الجنوب تعيش في حالة استنفار دائمة منذ عقود، والسبب أن الخطر داهم لو نشبت الحرب. فالمسافة بين العاصمة الجنوبية وحدود كوريا الشمالية قصيرة إلى درجة قد لا تستغرق من القوات الغازية سوى نصف ساعة للوصول إلى سيول.

والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل زائر إلى شبه الجزيرة هناك: لماذا لا تقلد الجارة الشمالية شقيقتها الجنوبية وتنحو باتجاه تنمية الداخل؟ السبب هو عقلية قيادتها التي لا تزال تعيش في عالم صراعات الماضي. فقد كانت في يوم مضى وكيلا للسوفيات ثم الصين، وعندما تغير السوفيات والصينيون، وانفتحوا على العالم، وتخلوا عن آيديولوجيتهم، بقي الكوريون الشماليون أوفياء لتلك العقيدة الدوغمائية التي تريد تغيير العالم وترفض تغيير نفسها. وهو في الحقيقة وفاء لأنفسهم لأنهم يخافون من تبعات التغيير على اعتبار أن التخلي عن عقيدتهم تلك قد تؤدي إلى الخلاص منهم، كما حدث لتشاوشيسكو في رومانيا وهونيكر في ألمانيا الشرقية.

[email protected]