فرصة تاريخية عظيمة

TT

في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 لم يكن ممكنا للجيوش العربية وحدها أن تحقق ما حققته من تغيير لقواعد اللعبة في الشرق الأوسط حتى انضم إليها ما عرف وقتها بسلاح البترول. ولأن المساحة لا تسمح بالكثير فإن ما أقدمه هو الاقتراح التالي: إن الكثير من الدول الغربية تعاني من مصاعب اقتصادية جمة جعلتها تلجأ إلى الخارج بحثا عمن يستثمر فيها، ومن جانب آخر فإن الظروف الاقتصادية العالمية قد جمعت كثيرا من الاحتياطيات المالية العالمية في منطقتين، آسيا وخصوصا الصين، والدول العربية المنتجة للنفط. الفرصة هنا أن العرب بوسعهم ليس فقط الحصول على عائد استثمار مجزٍ، بل أيضا انتهاز الفرصة والضغط من أجل مواقف أكثر حسما من الدول الغربية تجاه إسرائيل، خصوصا أن الدول العربية لم يعد لديها ما تقدمه أكثر كرما من المبادرة العربية. المسألة هنا ببساطة هي الاستثمار مقابل السلام القائم على العدل والقرارات الدولية التي تعطي لإسرائيل ما لها وما للعرب ما لهم.

لقد بدأت دول كثيرة في الاتحاد الأوروبي تواجه مشكلات اقتصادية ممثلة في ارتفاع حجم الإنفاق بصورة كبيرة لدرجة وصلت إلى حدوث اختلالات وأزمات اقتصادية دفعتها إلى تبني خطط تقشفية أثارت اضطرابات كثيرة داخلها. وقد دشنت الأزمة الاقتصادية في اليونان بداية مرحلة الأزمات الاقتصادية داخل دول الاتحاد الأوروبي مع ارتفاع العجز إلى 12.7% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يفوق حجم ما تسمح به منطقة اليورو بأربع مرات، ووصول حجم الديون إلى 300 مليار يورو بما يمثل نحو 115% من إجمالي الناتج المحلي. وقد لجأت الحكومة اليونانية إلى الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي للحصول على قروض تصل قيمتها إلى 110 مليارات يورو، على ثلاثة أعوام، لكن لجنة «الترويكا» التي تشكلت من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي للبحث في هذا الأمر وضعت شروطا كثيرة للموافقة على ذلك، منها تنبي سياسة تقشفية لخفض العجز في الموازنة إلى 8%.

أما في إسبانيا فقد وصل العجز في الموازنة إلى 11.2% من إجمالي الناتج المحلي عام 2009، بينما وصل الدَّين العام إلى 55% من الناتج المحلي، وقد دعا صندوق النقد الدولي الحكومة الإسبانية إلى إجراء عملية شاملة للإصلاح، لا سيما في قطاعي العمل والبنوك، حيث تواجه عقبات كثيرة في سبيل السيطرة على العجز، وقد وصف الصندوق التحديات التي تواجهها إسبانيا بأنها شديدة. وقد أقرت الحكومة خطة تقشف وصلت قيمتها إلى 50 مليار يورو، وذلك بهدف خفض العجز من 11.2% إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2013. وتواجه إيطاليا بدورها مشكلة ارتفاع معدل الإنفاق، لدرجة وصلت إلى خضوعها لأحد أعلى حجم للديون في العالم الذي وصل إلى 118.4% من إجمالي الناتج المحلي. وعلى ضوء ذلك أقر البرلمان الإيطالي في يوليو (تموز) 2010 خطة التقشف التي وضعتها الحكومة، والتي استهدفت توفير 25 مليار يورو في الفترة بين عامي 2011 و2012، إلى جانب خفض العجز في الموازنة من 5.3% عام 2009 إلى 2.7% عام 2012.

معنى ذلك أن الوقت بات مشكلة كبيرة أمام هذه الدول لمواجهة الأزمات المتلاحقة نتيجة ارتفاع الديون ونسبة العجز في الموازنة، وهو ما دفع بعضها إلى تبني سياسة «الاتجاه شرقا»، أي الاتجاه إلى المناطق التي تحظى بوجود وفرات مالية ضخمة، خصوصا في منطقة الخليج العربي وآسيا. ويتمثل الهدف الأساسي لهذه السياسة في جذب الاستثمارات الأجنبية وضخ قدر كبير من السيولة داخل الأسواق التي تواجه ركودا قويا في الفترة الأخيرة. وكانت مجلة «غلوبال فاينانس» العالمية قد ذكرت أن التقديرات الحالية لإجمالي قيمة الأصول التي تحتوي عليها صناديق الثروات السيادية في العام تصل إلى نحو 3.9 تريليون دولار، يتوقع الخبراء والمتخصصون زيادتها إلى ما بين 6 و10 تريليونات دولار بنهاية عام 2010 وإلى 20 تريليون دولار في عام 2020. وقد حازت «هيئة أبوظبي للاستثمار» على المركز الأول على المستوى العالمي باعتبارها أكبر صندوق سيادي في العالم، حيث وصل حجم الأصول التي تحتوي عليها إلى 627 مليار دولار، بينما كان صندوق «سما» السعودي في المركز الثالث ويحتوي على حجم أصول بلغ 415 مليار دولار. وجاءت «الهيئة العامة للاستثمار» الكويتية، وهي أول صندوق سيادي يتأسس في العالم عام 1953، في المركز الثامن، حيث وصل إجمالي أصولها إلى 202.8 مليار دولار. وحازت «هيئة الاستثمار» الليبية على المركز الثاني عشر بحجم أصول وصل إلى 70 مليار دولار، بينما حصلت «هيئة الاستثمار» القطرية على المركز الثالث عشر بإجمالي أصول بلغ 65 مليار دولار، وحاز «صندوق تنظيم الإيرادات» الجزائري على المركز الخامس عشر، حيث وصلت أصوله إلى 54.8 مليار دولار. وجاءت بعض الصناديق السيادية العربية الأخرى على النحو التالي: «مؤسسة دبي للاستثمار» التي تأسست عام 2006 جاءت في المركز الخامس والعشرين بإجمالي أصول بلغ 19.6 مليار دولار، بينما حصلت «شركة الاستثمارات البترولية الدولية» (ايبيك) التي تأسست في أبوظبي عام 1984 على المركز السابع والعشرين بإجمالي أصول بلغ 14 مليار دولار، وحازت شركة «مبادلة» للتنمية في أبوظبي التي تأسست عام 2002 على المركز التاسع والعشرين بحجم أصول وصل إلى 13.3 مليار دولار، وحصلت شركة «ممتلكات البحرين القابضة» على المركز الثالث والثلاثين بحجم أصول بلغ 9.1 مليار دولار، وجاء «صندوق الاحتياطي العام الحكومي» في سلطنة عمان في المركز الخامس والثلاثين بإجمالي أصول بلغ 8.2 مليار دولار، وحصل «صندوق الاستثمارات العامة» السعودي على المركز السابع والثلاثين بحجم أصول بلغ 5.3 مليار دولار، وحازت «هيئة رأس الخيمة للاستثمار» (راكيا) التي تأسست عام 2005 على المركز الحادي والأربعين بحجم أصول وصل إلى 1.2 مليار دولار.

هذه التطورات الاقتصادية المهمة التي تشهدها الساحة العالمية تكشف عن حقيقة مهمة، مفادها أن السياسة في المستقبل سوف تركز على اجتذاب مزيد من الاستثمارات، والدليل على ذلك أن بعض الحكومات بدأت بالفعل في استخدام هذه الصناديق للاستثمار خارج الدولة، وكان الصندوق السيادي الصيني رائدا في هذا المجال، حيث قام بعملية شراء أسهم في شركتي «مورغان ستانلي» و«بلاك ستون غروب» الأميركيتين في عام 2007، كما اتجه صندوق دبي السيادي إلى شراء بعض الأسهم في عدد من الشركات الآسيوية مثل شركة «سوني». ووضعت الجولة الآسيوية التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما على قمة أولوياتها جذب مزيد من الاستثمارات الآسيوية إلى الولايات المتحدة. فهل يمكن أن نستغل هذه الفرصة لتنمية الدول العربية والحصول على عائد استثمارات عالية الربحية وتحرير فلسطين في ذات الوقت؟