عن الأبناء.. وعن المحبة

TT

في التراث العربي هناك حادثة تذكر ولا أستبعد أنها خيالية رغم واقعيتها، وهي:

سألوا رجلا عن أي أبنائه أحب إليه؟!، فأجاب: إنه المريض حتى يشفى، والغائب حتى يعود، والصغير حتى يكبر.

وعلى ذكر الصغير كنت جالسا في حديقة منزل أحد المعارف مع مجموعة من الأشخاص، وبيننا الطفل الصغير لصاحب المنزل، وكانت أطراف الحديث تدور حول الشعر والشعراء، فأورد أحد الحاضرين شطر بيت الشعر القائل: أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض، فما كان من الطفل إلا أن التفت لوالده متسائلا بلهجته الساذجة: ليه يا بابا تمشي على الأرض ما هو على البلاط؟!

أعود إلى (محبة الولد).

فقد سألوا أُمًا عن الولد المفضل لديها، فقالت:

«ولدي المفضل هو الذي منعه المرض عن أكل المثلجات في حفلة ميلاده، وأصيب بالحصبة يوم العيد، ووضع مشبكا حول ساقيه المتقوستين لدى خلوده إلى النوم. هو ذاك الذي ارتفعت حرارته في منتصف الليل واعترته نوبات سعال ورقد بين ذراعيّ في جناح الطوارئ.

ولدي المفضل هو: الذي تعطلت سيارته في طريق مقفرة، وهو الذي أخطأ في تهجئة كلمة (الائتمان) في امتحان الإملاء، وهو الذي سجل هدفا بطريق الخطأ في مرمى فريقه في إحدى المباريات، وهو الذي سرقت دراجته بسبب إهماله.

ولدي المفضل هو ذاك الذي عاقبته لأنه كذب فمنعته من اللعب. هو ذاك الذي اتهمته بأنه متبلد الشعور ولا يحس مع الآخرين وبأنه مصدر إزعاج للعائلة كلها.

ولدي المفضل هو ذاك الذي صفق الباب بعنف تعبيرا عن شعوره بالإحباط والخيبة، وبكى حين ظن أنه في مأمن من ناظري، وانكمش قائلا إنه لا يستطيع مصارحتي. هو ذاك الذي لا ينعم بشعر جميل.

ولدي المفضل أناني وغير ناضج وسيئ الطباع. لكنه حساس وسريع التأثر، وحيد وغير واثق بما يفعله في هذا العالم. إنه رائع فعلا».

وختمت كلامها قائلة: «لكل أم ولدها المفضل، إنه الولد نفسه دائما. ذلك الذي يحتاج إليك في يوم ما ولسبب ما، ليتشبث بك ويصرخ فيك ويجرحك ويعانقك ويطريك، ليطرح عليك همومه فتخففي عنه. إنه ذاك الذي يريد، حين يطلبك، أن يجدك».

ليس لي بعد ذلك كلام أقوله.