ضعيف لا ركيك

TT

عقد الزميل وليد عبود مناظرة على «إم تي في» حول جبران خليل جبران، شارك فيها أربعة كنت بينهم. أثار قولي إن ضعف جبران بالعربية جعله يبسط فيها حفيظة الأمين العام للجنة تراث جبران، واعتبر الرأي حطا من قيمة أشهر أدباء لبنان. لم أكن أقصد الإساءة، بل الحقيقة.

درس جبران العربية في «الحكمة»، بيروت، لمدة عامين ثم عاش بقية عمره في المهاجر، حيث الحصول على كتاب عربي نادر وشاق. عشق جبران لغته وقرأ كل ما وقع عليه، لكن مجموع ما وقع عليه كان قليلا. يشير هو نفسه إلى ذلك في رسائله إلى راعيته، ماري هاسكل. وقد لا يتعدى قراءات جبران بالعربية، كما يقول الدكتور ربيعة أبو فاضل، «مقدمة ابن خلدون»، و«نهج البلاغة»، و«كليلة ودمنة»، والمتنبي، والتوراة، والبهاء زهير، ورسائل بديع الزمان.

أما الروح العربية التي طالما أبدى حماسا لها، فالأرجح أنها عائدة إلى ثأره من أمين الريحاني و«كتاب خالد». وهكذا نراه يحلم ذات مرة بالدعوة إلى «إمبراطورية عربية» تشبه تلك التي حدَّث بها الريحاني. ثم إن جبران انصرف فيما بعد إلى الكتابة بالإنجليزية، من دون أن يتخلى عن «الروح الشرقية» التي لازمت نثره وشعره ورسومه.

لا يقلل من قدر جبران شيئا أنه لم يكن ملما بالإعراب، أو غني المفردات. ألم يستوف تلك الشروط التي وضعها الجاحظ في أدب الكلام «ينبغي له أن يكون رقيق حواشي اللسان، عذب ينابيع الكلام، إذا حاور سدد سهم الصواب إلى غرض المعنى». ربما من السهل وضع جبران بين البلغاء وإن يكن فليس بين الفصحاء. وفي كتاب «الصناعتين» أن البلاغة مشتقة من قولهم: «بلغت الغاية إذا انتهيت إليها، ومبلغ الشيء منتهاه، فسميت البلاغة بلاغة لأنها تنهي المعنى إلى قلب السامع فيفهمه». وأما الفصاحة فتقتصر على اللفظ، مع أن لا خلل في أن يكون الكلام البليغ فصيحا. ولعل أسلوب جبران تنطبق عليه شروط البلاغة كما وضعها أبو هلال العسكري في «الصناعتين». والى صديقنا الدكتور شدياق، أمين لجنة جبران والغيور على سمعته اللغوية، ما يقوله الجاحظ: «لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه معناه، فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك».

ألا ينطبق كلام سيد «البيان والتبيين» على صاحب «عرائس المروج» و«دمعة وابتسامة». لم أقل كان جبران ركيكا ولا جاهلا. قلت ضعيفا، ولعلها صفة الأكثرين.