الانتخابات المصرية

TT

بلهجة اتهامية متوترة وبانفعال غير مبرر، أجاب مسؤول الإعلام في الداخلية المصرية عن أسئلة مذيع قناة «بي بي سي» العربية، بشأن حقيقة تعرّض أفراد من الإخوان المسلمين للاعتداء من قبل عناصر الأمن المصري والتضييق عليهم قبيل الانتخابات التشريعية. استنكر المسؤول مجرد السؤال، محاولا التشكيك في دوافع طارحه، على نحو بدا غاية في الفظاظة غير المبررة!

ليست المشكلة في أن نفي المسؤول بدا ضعيف الحجة فقط ومستخفا بفريق سياسي محلي وبالإعلام على حد سواء. لكنه ذلك الإصرار على اعتماد المقاربة نفسها في مجابهة الإعلام، في عصر لم يعد يحتمل تلك النظرة الأمنية للأمور، التي نتحقق كل يوم كم أنها غير مجدية وترتد سلبا على السلطة الممارِسة لها قبل أن ترتد على الممارَسة عليهم..

يعلن كثير من الصحافيين والناشطين المصريين صراحة ضعف حماستهم لتغطية الانتخابات المقبلة، لقلقهم من أن هذه التغطية ستتعرض للكثير من العوائق وبالتالي لن تكون على مستوى الطموح.

فبعد إغلاق قنوات فضائية تحت شعار مكافحة التطرف، وبعد تشديد قوانين إرسال الأخبار عبر الرسائل النصية بحيث تتمكن وزارة الاتصالات من التحكم في التصاريح الممنوحة، وبعد إلغاء بعض البرامج التلفزيونية، وتقييد رخص البث، والحد من تصاريح «تصوير شوارع» التي تحتاجها وسائل الإعلام، وتضييق رجال الأمن على الصحافيين، والأهم، خوف الجمهور المصري نفسه من التعبير صراحة عن رأيه، فهذه كلها دلالات تبرر القلق ليس لدى الصحافيين، بل لدى هيئات رقابية ومدنية كثيرة، من التلاعب بالانتخابات.

أي دولة تتحضر للانتخابات ستكون أمام مخاض معقد، فكيف ما إذا كانت الانتخابات تسبق انتخابات رئاسية لا يتوقف النقاش والجدل بشأنها!

هذه الأجواء جعلت الفضاء الإلكتروني يشتعل بنقاشات وحوارات وتغطيات غير تقليدية لكنها قلقة أيضا، فذاكرة المصريين لا تزال حية، لم تنس ما حل بصحافيين ومدونين وناشطين، تفاوتت معاناتهم ما بين السجن والتعذيب والقتل..

يبدو مأزق السلطات المصرية في ضبط مسار الاقتراع وفي ضبط صورته وخبره، مأزق أكبر بكثير من المخاطر التي يمكن أن تشكلها نتائج الانتخابات نفسها. فالتقديرات تشير إلى أن نتائج الإخوان المسلمين في أحسن حالاتها لن تتعدى الثلاثين في المائة من مجموع أصوات المصريين. من هنا، يبدو أن الفاتورة التي تدفعها مصر والهادفة لتضييق هامش تمثيل «الإخوان» هي أكبر فعلا من مخاطر احتمال نيلهم الأصوات المتوقعة. واستعمال وسائل ضبط تقليدية عنفية لوسائل الإعلام يضاعف من مأزق السلطة هناك، إذ إن وسائل الاتصال الحديثة لا تمكن وسائل الضبط منها، ولمصر تحديدا تجارب كبيرة على هذا الصعيد، لا سيما أن المهارات في مجال الإعلام الحديث عالية هناك وأثبتت فعاليتها، وهي اليوم وعلى الرغم من الضبط الحاصل ستجد حتما لها نوافذ ومساحات تعبير لن تجدي معها عمليات الضبط والتضييق..

ألم يحن الوقت لنتعلم من تجاربنا، الراهن منها على الأقل!

diana@ asharqalawsat.com