عذاب آخر غير عذاب القبر!

TT

قال لي الطبيب: لا بد أن تأكل لحما!

وحاولت أن أذكره بما سبق أن قاله من أن هناك عددا هائلا من البقول فيها البروتين الموجود في اللحوم. ولكن الطبيب قال: ضروري.

الله وحده يعلم مدى العذاب. فأنا لا أطيق رائحة اللحوم بأي صورة وتحت أي مسمى. ولا أريد أن أضيف مدى ضيقي وقرفي من شكل اللحوم ورائحتها.. وكيف حاولت أن أضع عليها الليمون أو القرفة أو حتى الكولونيا.. أو أسد أنفي وأغافل نفسي وأضع قطعا من اللحم مع الأرز أو المعكرونة أو الملوخية.. حتى الملوخية فيها رائحة اللحم. وأشم رائحة يدي والملعقة والسكين. كلها لها رائحة اللحم التي هي أقوى من كل الروائح.

وحدث ما هو أسوأ من ذلك، أنني وجدت أن السمك له رائحة اللحم.. فألغيت السمك من طعامي حتى تختفي رائحة اللحم. ويبدو أن رائحة اللحم قد التصقت بأنفي فلا يبقى إلا أن أقطع أنفي حتى لا أشم رائحة اللحم. أو أعمل مثل زوجة آينشتاين اليوغوسلافية التي يقال إنها ساعدت آينشتاين في الاهتداء إلى نظرية النسبية لأنها كانت أستاذة للرياضيات. من حبها الشديد للفيزيائي العظيم ذهبت إلى الطبيب وقالت له إنها تريد أن تكوي عصب الشم في أنفها حتى لا تشم رائحة آينشتاين لأنه لا يستحم إلا مرة كل شهرين أو ثلاثة. وله نظرية أنه لا يحب أن يغير درجة حرارة جسمه. هل أذهب إلى الطبيب لأفقد حاسة الشم؟ طبعا الأسهل ألا آكل اللحم وليكن ما يكون.

ودارت مناقشة بيني وبين نفسي: كيف أنني بلا إرادة؟ أين إرادتي القوية؟ كيف أعجز أمام قطعة لحم؟ كيف لا أكره نفسي لأسباب صحية على أكل اللحم؟ أين إرادتي؟ أين ما قاله الفيلسوف العظيم شوبنهور: إن الحياة إرادة.. إرادتي.. أو إرادة الآخرين أو إرادة اللحمة؟

وذهبت إلى دورة المياه ومعي قطعة من اللحم لكي آكلها سواء كانت رائحتها تضايقني أو لا تضايقني. وحدث ما توقعته. فقد أفرغت ما في جوفي من الطعام.. إنها ليست إرادتي وإنما إرادة معدتي وأنفي! إن عذاب اللحم أسوأ وأقسى من أي عذاب آخر.