رسالة كوريا الشمالية المتسقة للولايات المتحدة

TT

ليس بمقدور أحد تفهم دوافع الكوريين الشماليين تماما، لكن من المحتمل للغاية أن يكون الهدف من وراء كشفهم مؤخرا عن أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم وإقدامهم على قصف جزيرة كورية جنوبية، الثلاثاء، هو تذكير العالم بأنهم جديرون بأن يحترمهم الآخرون فيما يتعلق بالمفاوضات التي ستصوغ مستقبلهم. في النهاية، ربما ينحصر الاختيار أمام الولايات المتحدة بين التفاصيل الدبلوماسية وتجنب وقوع مواجهة كارثية.

شكلت مسألة التعامل بفعالية من كوريا الشمالية منذ أمد بعيد تحديا أمام واشنطن. ونحن نعلم أن الديانة الرسمية لكوريا الشمالية هي الزوتشية التي تدور حول فكرة الاعتماد على الذات وتجنب الخضوع لهيمنة الآخرين. ولا شك أن القدرات التقنية التي تتمتع بها كوريا الشمالية رغم ما عليها من عقوبات شديدة وما تعانيه من فقر، تثير الدهشة. والمؤكد أن جهودها لاستعراض قدراتها العسكرية عبر قصف يونغبيونغ والاختبارات التي تجريها للأسلحة تثير الغضب والرغبة في الانتقام. في الوقت ذاته، فإن الروابط الدبلوماسية والعسكرية الوثيقة بيننا وبين كوريا الجنوبية تفرض التوافق مع سياسات قادتها.

سبق وأن هددت كوريا الشمالية بإشعال صراع مسلح، فمنذ قرابة ثمانية أعوام، كتبت في هذه الصفحة حول كيف طرد الرئيس كيم إيل سونغ في يونيو (حزيران) 1994، مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وادعى أن قضبان الوقود المستهلك يمكن إعادة معالجتها وتحويلها إلى بلوتونيوم. وهدد كيم بتدمير سيول حال فرض مزيد من العقوبات القاسية ضد بلاده. وانطلاقا من رغبته في تسوية الأزمة عبر محادثات مباشرة مع واشنطن، دعاني كيم لزيارة بيونغ يانغ لمناقشة القضايا العالقة. وبموافقة الرئيس بيل كلينتون، ذهبت لكوريا الشمالية وقدمت تقريرا للبيت الأبيض حول النتائج الإيجابية التي تمخضت عنها هذه المناقشات المباشرة. وجرت مفاوضات مباشرة في جنيف بين مبعوث أميركي خاص ووفد كوري شمالي، مما أثمر «إطار عمل متفقا عليه» أوقف إعادة كوريا الشمالية معالجة خلايا الوقود وأعاد عمليات التفتيش من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة ثماني سنوات. مع ظهور أدلة حول حصول بيونغ يانغ على يورانيوم مخصب على نحو يشكل انتهاكا لإطار العمل المتفق عليه، جعل الرئيس جورج دبليو بوش - الذي أعلن بالفعل كوريا الشمالية جزءا من «محور الشر» وهدفا محتملا - مشروطة برفضها الكامل لفكرة إقامة برنامج لبناء متفجرات نووية وأوقف الشحنات الشهرية من النفط. وعليه، طردت كوريا الشمالية المفتشين النوويين واستأنفت أعمال إعادة معالجة قضبان الوقود. وحصلت على بلوتونيوم ربما يكفي لصنع سبعة أسلحة نووية.

وتمخضت المفاوضات المتقطعة على مدار السنوات القليلة التالية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان والصين وروسيا (وهي الأطراف الستة) في سبتمبر (أيلول) 2005 عن اتفاق أعاد التأكيد على الأسس الرئيسية لاتفاق عام 1994. وتضمن نص الاتفاق جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من الأسلحة النووية، وتعهد من قبل واشنطن بعدم الاعتداء، واتخاذ خطوات نحو إقرار اتفاق سلام دائم كي يحل محل اتفاق وقف إطلاق النار الأميركي - الكوري الشمالي - الصيني القائم منذ يوليو (تموز) 1953. إلا أنه للأسف، لم يحدث تقدم ملموس منذ عام 2005، وخيم على الموقف برمته مسألة تطوير كوريا الشمالية واختبارها لأسلحة نووية وصواريخ متوسطة وطويلة المدى، ومواجهات عسكرية بينها وبين كوريا الجنوبية. من جهتها، تصر كوريا الشمالية على عقد محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة. ويعتقد قادة بيونغ يانغ أن القوات المسلحة الكورية الجنوبية خاضعة لسيطرة واشنطن. ويصرون على أن كوريا الجنوبية لم تكن طرفا في اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1953. «منذ عهد إدارة كلينتون، خاضت بلادنا المفاوضات عبر مسار سداسي الأطراف، وعمدت إلى تجنب المحادثات الثنائية قدر الإمكان، التي من شأنها استثناء كوريا الجنوبية». وقد دعيت في يوليو (تموز) الماضي للعودة إلى بيونغ يانغ لتأمين إطلاق سراح الأميركي أيالون غوميز، شريطة أن تمتد الزيارة فترة كافية لإجراء محادثات جوهرية مع كبار المسؤولين الكوريين الشماليين، الذين عبروا لي بوضوح عن رغبتهم في تطوير جزيرة شبة كورية غير نووية، والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار يقوم على اتفاقات 1994 والبنود الأخرى التي تبنتها القوى الست الكبرى في سبتمبر (أيلول) 2005. ودون أي تفويض للتوسط في النزاعات، نقلت هذه الرسالة إلى وزارة الخارجية والبيت الأبيض، وأشار القادة الصينيون إلى دعمهم لهذه المحادثات الثنائية. وقد نقل لي المسؤولون الكوريون نفس الرسالة للزائرين الأميركيين الآخرين وسمحوا بدخول بعض الخبراء النوويين إلى منشأة متقدمة لتخصيب اليورانيوم. وأوضح ذات المسؤولين لي أن هذه المجموعة من المفاعلات النووية ستكون مطروحة على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة على الرغم من أن تنقية اليورانيوم لم تكن ضمن اتفاقات عام 1994.

لقد بعثت بيونغ يانغ برسالة متسقة وهي مستعدة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء برنامجها النووي، ووضعها بالكامل تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوقيع اتفاقية دائمة لتحل محل اتفاقية وقف إطلاق النار «المؤقتة» الموقعة عام 1953 في حال عقد مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة. وينبغي علينا التفكير في الاستجابة لهذا العرض. البديل السيئ لكوريا الشمالية يتمثل في ارتكاب أي عمل يرونه ضروريا للدفاع عن أنفسهم مما يزعمون أنه أقصى ما يخشونه والمتمثل في هجوم عسكري تدعمه الولايات المتحدة، ناهيك بالجهود لتغيير النظام السياسي في بيونغ يانغ.

* الرئيس التاسع والثلاثين

للولايات المتحدة

* خدمة «واشنطن بوست»