تركيا الإيرانية.. إيران التركية

TT

ما أن أنهت دول حلف شمال الأطلسي اجتماعاتها في لشبونة حتى بدأ داخل تركيا نقاش قابل للتحول إلى أزمة حيال المواقف والسلوك الدبلوماسي والسياسي الذي اعتمدته حكومة العدالة والتنمية في التعامل مع موضوع الدرع الصاروخية الذي تبنته المنظمة، وستكون تركيا مركز الثقل فيه.

لتركيا تجربة مريرة مع هذا الحلف الذي التحقت به عام 1952 بعد مشاركتها في الحرب الكورية لترفع أسهم إقناع الغرب بقبولها في هذا النادي الذي سبق أن رددت منذ بداية تراجع وسقوط الإمبراطورية العثمانية وإعلان الجمهورية الحديثة أنه خيارها الأول والأخير، وأن لا شرق في جغرافيتها، فجميع الطرق تقود إلى بروكسل وواشنطن.

قرارات قمة لشبونة واستراتيجيات نشر الصواريخ والرادارات تتعارض في جميع الأحوال مع نظرية «العمق الاستراتيجي» التي تبناها وروج لها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، لا بل إن بعض المنظرين والكتاب العرب بدأ منذ الآن الحديث عن رفع نعش «صفر مشكلات» مع الجيران التي أطاح بها قبول أنقرة لمنظومة الدرع الصاروخية التي تحمل المزيد من التوتر والتأزم وشبح الحرب إلى المنطقة كما يقول. تركيا تردد أنها حققت جميع مطالبها وشروطها وأقنعت قيادات الأطلسي بتبني وجهة نظرها، وأن تعهدات قدمها الأمين العام لحلف الأطلسي راسموسن خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة التركية هي التي شكلت الضمانات الأساسية لقبولها وإعطاء موافقتها، بينما المسؤولون السياسيون والعسكريون وشركاء الحلف يقولون إنهم أخذوا كل ما كانوا يريدونه من تركيا، وإن أنقرة لم تكن لتغامر بمفردها وتعارض مطالب واستراتيجيات وخطط 27 دولة بمفردها حتى ولو كانت ورقة حق النقض تنتظر في جيبها.

الرئيس الفرنسي قال إن إيران هي بيت القصيد، ولا يهم إذا ما كان قد درج اسمها أم لا في القرارات، وإنه على أنقرة أن تقبل «حقائق الحياة». هو كان يتحدث باسم بلاده طبعا، لكن الرسالة كانت أطلسية البعد، وإن تركيا لا يمكنها بمثل هذه السهولة إقناع الغرب بما لا يريد أن يقتنع به، بل على العكس، الأصح هو أن تقبل هي ما يقوله إذا ما كانت ترى نفسها شريكا في هذا الحل. الأطلسي الذي نجح في إلزام الروس بالتركيع وإحضارهم إلى القمة وإبقاء الصين على الحياد لن يسمح لتركيا أن تقف عائقا في طريقه. لا يمكن لتركيا بمثل هذه السهولة أن تكون أطلسية الملامح إيرانية الميول.

أنقرة التي لا ترى في إيران مصدر خطر إقليمي وتصر على الربط بين الصواريخ الإيرانية والإسرائيلية ضمن حلقة نقاش واحدة، والتي تعرف أن ابتعادها عن طهران سيكلفها باهظا بعد شبكة العلاقات ومشاريع التعاون الواسعة التي بنتها معها، وتعرف كذلك أن غضب إيران سيضر بالكثير من مصالحها الثنائية والإقليمية، تعرف أيضا أن السير بعكس التيار الأطلسي يعني بالنسبة لها الانتقال من معسكر إلى معسكر آخر، وأن لعبة التوازنات بين خيارات الحرب والسلم التي تراهن على ديمومتها كما تريد. ويكفي قراءة خلفيات ما قالته المشرفة على السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون التي رفضت صراحة القبول بتركيا مركزا للتفاوض مع إيران لنتعرف إلى حجم الإصرار الغربي على المضي في هذه اللعبة حتى النهاية. هل بمقدور تركيا أن تتحمل مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة وأوروبا في الملف الإيراني وهي التي لم تصل إلى ما تريده بعد في موضوع الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية في عرض المتوسط؟

ليس سهلا أن تضع تركيا نفسها مكان إيران وهي تلوح بصواريخها القادرة على الوصول إلى أبعد الأماكن في المنطقة، ولن تقبل طهران بمثل هذه السهولة أن تضع نفسها هي الأخرى مكان أنقرة وتتفهم مواقف الالتحاق بقرار الناتو الأخير الذي أقر حرب الصواريخ وليس لعبة المفرقعات. الموجع أكثر سيكون طبعا أن تلتحق تركيا بغرفة القيادة بعد نشر الصواريخ، وأن تقوم هي بالمشاركة في لعبة كبس الأزرار في الوقت الذي تقول فيه هي إنها ستجلس هناك للضرب على أيدي من يحاول العبث بأمن المنطقة واستقرارها.