الشقيقة.. قبرص

TT

إذا كانت المصيبة تجمع، كما يقال، فقد يكون لبنان مقبلا على «زواج مصلحة»... مع قبرص.

أما «المصيبة» الجامعة فهي الاستحقاق الاقتصادي الضخم الذي يلوح في أفق البلدين ومن شأنه أن يقلب رأسا على عقب أولوياتهما الاستراتيجية، لا الاقتصادية فحسب: حقل غاز طبيعي يقدر مخزونه بـ453 مليار متر مكعب (حسب التقديرات الإسرائيلية) لا يبعد أكثر من مائتي ميل عن ساحل لبنان الجنوبي ومثله تقريبا عن ساحل قبرص... وساحل إسرائيل أيضا.

التحضيرات الإسرائيلية المتسارعة لاستثمار هذا الحقل المسمى «ليفايتان» قبل أي من جارتيه، باتت تستدعي استنفار كل قوى لبنان وقبرص الدبلوماسية لحفظ حقهما في غاز هذا الحقل الواعد. وإذا كان إقرار البرلمان اللبناني، في أغسطس (آب) الماضي، لقانون الطاقة، إجراء إيجابيا في هذا الاتجاه فهو ليس أكثر من خطوة أولى في مسيرة الألف ميل لضمان حصوله على حصته من الحقل الذي تحاول إسرائيل وضع يدها عليه عبر تخطيط أحادي لمنطقتها الاقتصادية الخالصة (E E Z) في البحر المتوسط.

مؤسف أن لا تكون المقارنة ممكنة، حتى الآن، بين ما اتخذه لبنان من إجراءات «قانونية» لمواجهة هذا الاستحقاق الداهم مع ما اتخذته إسرائيل من تحضيرات عملية لاستغلال الحقل، فقد أدركت إسرائيل، منذ الآن، البعد الاستراتيجي لتحولها إلى دولة مصدرة للغاز (بعد أربع سنوات على أبعد تقدير) وبدأت تتصرف على هذا الأساس.

قد تكون الظاهرة السياسية الأبرز لهذا التحول في وضع إسرائيل الاقتصادي أن تزداد هيمنة الأحزاب اليمينية - الشوفينية على الكنيست، أولا لأن الاكتفاء الذاتي بالغاز يجعل إسرائيل أقل تأثرا بضغوط مصدرها الراهن منه، أي مصر، وثانيا لأن عائداتها المرتقبة من صادراته ستسمح لها بأن تكون أكثر استقلالا عن ضغوط الولايات المتحدة عليها.

والواقع أن ما سُرب عن مخططها لاستغلال ثروتها الطارئة يصعب فصله، منذ الآن، عن تحركاتها الدبلوماسية في المنطقة، وفي مقدمتها علاقاتها المستجدة مع اليونان.

على هذه الخلفية يمكن تفسير دبلوماسية التقارب الإسرائيلي المفاجئة مع اليونان بعد سنوات من العلاقات الباردة - إن لم تكن غير الودية - بينهما، التي تجلت في فتح اليونان أجواءها لمناورات جوية مشتركة بين سلاحي جو البلدين، وفي تبادل الزيارات الرسمية بين رئيس الحكومة اليونانية، الاشتراكي اليساري جورج باباندريو، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، اليميني الشوفيني بنيامين نتنياهو، ما يوحي بأن اليونان موعودة بمكافأة اقتصادية إسرائيلية مصدرها الغاز.

وبالفعل، واستنادا إلى التسريبات الإسرائيلية، تنوي إسرائيل مد أنبوب في قاع البحر المتوسط ينقل غاز حقل «ليفايتان» إلى اليونان تمهيدا لاعتمادها قاعدة لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى دول أوروبا الشرقية والجنوبية. وهذا التحول الاستراتيجي نحو اليونان يفسر ما تبديه الدبلوماسية الإسرائيلية من لا مبالاة مطلقة تجاه حالة العداء التركي لها بعد أن كانت تركيا، إلى عامين ماضيين، أهم «حليف» استراتيجي لها في الشرق الأوسط.

التقارب الإسرائيلي - اليوناني بات يستوجب تحركا لبنانيا عاجلا أقصر طرقه قبرص لأنها تواجه، هي أيضا، خطر انقضاض إسرائيل على حصتها من غاز حقل «ليفايتان»، علما بأن قرب قبرص «القومي» من اليونان والسياسي من لبنان، يعزز فرص نجاح مسعى لبناني - قبرصي مشترك في إقناع اليونان بألا توقع اتفاقا نهائيا مع إسرائيل بشأن حقل «ليفايتان» قبل أن تعترف إسرائيل رسميا بحصة كل من البلدين في غازه.

من هنا تأتي أهمية زيارة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، إلى قبرص الشهر الماضي، وتمنياته بأن يقوم تعاون اقتصادي بين البلدين «في مجال التنقيب عن النفط والغاز في البحر». إلا أن المطلوب اليوم أن يتخذ هذا التعاون شكلا وثيقا من أشكال التنسيق الدبلوماسي اللبناني - القبرصي، لأن مشكلة البلدين مع إسرائيل واحدة، ونقطة الارتكاز في الضغوط المتاحة على إسرائيل واحدة أيضا (اليونان).

وقديما قيل: «خير البر عاجله».