ولكن حب من سكن الديارا!

TT

كان الشعراء القدامى يبكون الأطلال والديار.. يبكون بقاياهم. وكان بكاؤهم دليلا على أنهم غير قادرين على أن يفعلوا شيئا. وأن هذه هي النهاية ولا بداية بعدها.. يقول الشاعر:

أمر على الديار ديار ليلى

أقبل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حب من سكن الديارا!

وأنا بعد أن أحرقت كتابا ظللت أكتبه سنتين. وفي السنتين كنت أحلم بأمي.. وكنت أسأل علماء النفس وعلماء الدين عن معنى هذه الأحلام.. قال لي الشيخ متولي الشعراوي: سوف تدخل الجنة إن شاء الله. فكنت أقول له: ولكن خطاياي كثيرة.. من بينها أن مررت بمرحلة شك رهيب اقتلع كل ما في قلبي وعقلي من كل شيء.. فكيف أدخل الجنة يا مولانا؟ قال الشيخ الشعراوي: ولكنك قد عدت إلى ما كفرت به.. والله غفور رحيم.

ولكن ما علاقة هذه المعاني والتأويلات والتفسيرات لأحلامي مع أمي بالجنة والنار؟

وسألت من قال غير ذلك..

وكنت أقسى على نفسي من علماء النفس. قعدت أقول: كان من الممكن حذف أو تعديل أو شطب..

ووجدتني أبحث عن الذين أحرقوا كتبهم أو أوصوا بذلك.. وكيف أن بعض هذه الكتب قد أنقذ. ونحن نحمد الله أنها ما زالت على قيد الحياة.. ورحت أبحث في الأسباب الحقيقية التي دفعت كاتبا أو فنانا في لحظة جنون أو لحظة عقاب أو كفر بنفسه وبالناس وبأي أمل في أن يضيف شيئا إلى التراث الإنساني، إلى أن يرتكب هذه الحماقة!

أما أنا فقد وجدت أنني كشفت نفسي وتعريت بإرادتي لأكون على طبيعتي أمام القارئ.. وأن أقول ما يجب أن يقال وما لا يقال عن حيرتي بين الأديان والمذاهب الفلسفية.. وكيف أنها جميعا تخلت عني وتركتني وحدي أغالب الطوفان الفكري والعاطفي.. وكيف أنني سقطت في كل الامتحانات والمحن. وجاء كتابي هذا اعترافا بذلك.. فما فائدة ما قلت وما كشفت وكاشفت.. ثم كيف تكون صورتي عند القارئ بعد أن كتبت ما أسعد القراء وجعلهم يقبلون على كتبي هذه حتى اليوم..

وجدت أنه لا فائدة من هذا الذي كتبت في عامين. فكان قراري. وكان ندمي على ذلك!