حملة 16 يوما من العمل الناشط لمكافحة العنف ضد المرأة

TT

يمس العنف نساء الدول العربية تماما كما يمس نساء كل دولة أخرى. فالعنف ضد المرأة وباء عالمي يجتاز جميع الحدود: الإثنية، والعرقية، والطبقية، والدينية، ومستوى التعليم. ويمكن له أن يهدد النساء والفتيات عند أي نقطة في حياتهن - من قتل الجنين الأنثوي، إلى الوصول غير المتكافئ للتعليم، والرعاية الصحية والتغذية، إلى زواج الأطفال، والاتجار بالجنس، وجرائم القتل التي تسمى «جرائم الشرف» والقتل المتعلق بالمهور، العنف الأسري، والاغتصاب، وصولا إلى إهمال ونبذ الأرامل.

في هذه السنة، ونحن نباشر مرة أخرى حملة «16 يوما من العمل الناشط ضد العنف القائم على أساس الجنس» التي بدأت يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، الذي يصادف تاريخ اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء، وتنتهي في 10 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، الذي يصادف تاريخ اليوم العالمي لحقوق الإنسان، يجب على المجتمع الدولي أن يقدم أكثر من الكلمات للاستجابة إلى النداء لتحرير النساء من العنف. علينا أن نقاوم ثقافة الإفلات من العقاب الذي كثيرا ما يتيح لمرتكبي أفظع الجرائم البقاء دون محاسبة عن جرائمهم. يجب أن نصلح الوضع السيئ للنساء والفتيات حول العالم الذي يجعلهن أقل قيمة وأكثر تعرضا للخطر. علاوة على ذلك، يجب أن ندعم شمول الرجال والأولاد عند معالجة ومنع العنف وتغيير المواقف تجاه الجنس والاعتراف بأن من المحتمل أيضا أن يُظلَم الذكور بسبب جنسهم. وأخيرا، يجب أن نلقي الأضواء على البرامج الفعالة التي أثبتت نجاحها في العمل، وتعزيزها.

تُشكِّل هذه الأيام الـ16 تذكيرا جديا بأن للعنف القائم على أساس الجنس عواقب اجتماعية واقتصادية عميقة على جميع أفراد المجتمع. فهو لا يقوض إمكانية تحقيق المساواة بين الجنسين وحسب وإنما هو أيضا يؤثر سلبا على الرعاية الصحية للنساء، وتعليمهن، ومشاركتهن السياسية والاقتصادية. كما أنه يستخدم أيضا الاستهداف العنيف للنساء كتكتيك حربي كما شُهد بذلك في مقاطعة نورث كيفو (كيفو الشمالية) في جمهورية الكونغو الديمقراطية في يوليو (تموز) الماضي حيث اغتصبت بوحشية مجموعات المتمردين 200 امرأة وفتاة على مدى أربعة أيام، على بعد عشرين ميلا فقط من قاعدة لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. عند اللجوء إليهما في حالات النزاعات، كثيرا ما يغذي العنف والاغتصاب الجنسي النزاعات ويعيث الفساد في مجتمعات أهلية بكاملها ويدمر بنية المجتمع بالذات.

في هذه السنة، تأتي حملة الأيام الـ16 في أعقاب الذكرى السنوية العاشرة لصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 المتعلق بالنساء، والسلام، والأمن وبذلك تتوفر للمجتمع الدولي فرصة لتعزيز الجهود الهادفة لمعالجة النساء ليس كضحايا العنف وحسب وإنما بالأحرى كعناصر للسلام والمصالحة. تتصدر الولايات المتحدة الصفوف لإعادة تأكيد الأهداف المنصوص عليها في هذا القرار التاريخي، وما هو أكثر من ذلك، وضع الولايات المتحدة لأعمال محددة تستطيع البلدان أن تقوم بها من أجل ضمان وجود النساء حول طاولة المفاوضات المتعلقة بالسلام. والطريق الوحيد لتحقيق أهدافنا - أي خفض أعداد النزاعات حول العالم، والقضاء على الاغتصاب كسلاح حربي، ومحاربة ثقافة الإفلات من العقاب لجرائم العنف الجنسي، وبناء سلام مستدام - يكمن في الاعتماد على المساهمات الكاملة للنساء والرجال في كل مظهر من عمليات صنع السلام، وحفظ السلام، وبناء السلام.

وتعمل الولايات المتحدة أيضا بصورة ثنائية ومتعددة الأطراف من أجل وضع تعريف محدد للعنف قائم على أساس الجنس ليس كمسألة تختص فقط بالمرأة، وإنما كمسألة تتعلق بحقوق الإنسان، والأمن الدولي. نحن ننفذ نشاطات على الأرض، وندرب أفراد قوات حفظ السلام على أساليب التوعية حول العنف القائم على أساس الجنس والعمل على منع حدوثه، ونعمل مع منظمات غير حكومية من أجل ضمان إشراك الرجال في منع ارتكاب العنف ضد النساء والمشاركة مع قادة دينيين من جميع الطوائف لدمج هذه الرسائل في طرق تواصلهم مع الناس. كما أن التمكين الاقتصادي للنساء يتكامل أيضا مع أي أسلوب مستدام لاستئصال العنف ضد النساء، بعد أن أظهرت الدراسات أن النساء اللواتي يتحكمن في مواردهن الخاصة يتعرضن بدرجة أقل إلى الظلم بسبب جنسهن.

وتقدم هذه الأيام الـ16 فرصة لتجديد الالتزام بتحرير النساء من كابوس العنف، بغض النظر عما إذا كن قد تعرضن لسوء المعاملة داخل الأسرة خلف أبواب مغلقة أو في الميادين المفتوحة للنزاع المسلح. لا تستطيع البلدان أن تحقق أي تقدم عندما يكون نصف عدد مواطنيها مهمشا وتُساء معاملتهن ويتعرضن للتمييز. عندما تمنح النساء حقوقهن وتؤمن لهن فرص متساوية في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والتوظيف، والمشاركة السياسية فإنهن يرفعن شأن عائلاتهن ومجتمعاتهن الأهلية ودولهن ويعملن كعناصر للتغيير. وكما لاحظت مؤخرا وزيرة الخارجية كلينتون، فإن «الاستثمار في قدرة النساء والفتيات في العالم يُشكل أحد الطرق الأكثر تأكيدا لتحقيق التقدم الاقتصادي العالمي، والاستقرار السياسي والازدهار الأعظم للنساء والرجال عبر العالم أجمع».

* سفيرة أميركية لشؤون المرأة