ولاء.. عمالة.. تبعية.. الخ

TT

شاعت في أوائل الثمانينات طرفة سياسية عن طلبة من أبناء اليمن الجنوبي الاشتراكي حينها. كانوا سبعة يدرسون في بيونغ يانغ - عاصمة كوريا الشمالية في عهد الدكتاتور الكوري الراحل كيم إيل سونغ (توفي 1994). وكيم إيل سونغ هذا كان طاغية من طراز فريد، وعاشقا للألقاب عشقا تغلب فيه حتى على هتلر وصدام حسين نفسه: فهو الأب الحاكم والقائد والمربي والقائد العزيز والقائد الرحيم والرجل السماوي وظلال الشعب وشمسه المشرقة ومحبوب الأربعين مليونا وهكذا. الشاهد أنه بمناسبة الاحتفالية السنوية للثورة، أرسلت له كافة المنظمات والطلائع والأحزاب الثورية واليسارية في العالم كله بما في ذلك عالمنا العربي العنيد (بالنون)، أرسلوا له جميعا رسائل التهنئة والمباركة والتأييد لخطه «الثوري»، وكان من بين من أرسلوا له تلك الرسائل الاتحادات الطلابية طبعا، ومن بينهم الطلبة اليمنيون السبعة الذين كتبوا له: إلى القائد العظيم، حبيب الأربعين مليونا والسبعة يمنيين!!

تذكرت هذه الطرفة وسردتها أثناء حوار مع مجموعة من الأصدقاء حول العمالة والتبعية والولاء والمفاهيم المرتبطة بها، وكان مثار ذلك الحديث عن السيد حسن نصر الله وإعلانه الولاء لإيران ونموذجها وانتشار فيديو على «يوتيوب» لخطبة لنصر الله عام 1979 يبين فيها أن المنشود للبنان هو تحويله للنموذج الإيراني وتبعية لبنان له.

كان الشيوعيون العرب - وبالذات في العراق والسودان حيث وجد أقدم وأقوى الأحزاب الشيوعية العربية - يدينون بالولاء والتبعية الثورية للاتحاد السوفياتي، وبعضهم انشق وعادى الاتحاد السوفياتي و«بسمل باسم ماو تسي تونغ»، وحجتهم في ذلك أن الصين - على عكس الاتحاد السوفياتي - لم تعترف بدولة إسرائيل، وبقيت الصين كذلك حتى عام 1992 - أي بعد أن اعترف العرب بها.

سرت نوادر تعكس تبعية وولاء الشيوعيين العراقيين والسودانيين للاتحاد السوفياتي البائد مفادها أنها لو أمطرت بموسكو، لحمل أهل الجنوب العراقي المظلات الواقية، وفي السودان قيل بأن أهل أم درمان يحملون المظلات حين تمطر بموسكو، كناية عن «ولاء وتبعية وعمالة» عمياء لتلك الأحزاب للخارج غير العربي.

وراح القومجيون والثورجيون يبررون لصدام حسين كل جرائمه، ويعلنونه قائدا عربيا ينضوون تحت رايته لأنه أعلن أنه سيحرق «نصف إسرائيل» ولأنه قصفها بصواريخ سكود دون إحداث خسائر في الأرواح أو المعدات. وجاءت التبعية العمياء تلك على الرغم من أن صدام حارب إيران وغزا الكويت وعزر بشعبه وحفر لهم المقابر الجماعية وجلب لهم المصائب والاحتلال. لكن الولاء له والحب بقي حتى بعد شنقه على يد شعبه واعتبر شهيد العروبة والمجد رغم أنه قبض عليه وحيدا في جحر تحت الأرض قبل أن يحاكم ويعدم على جرائمه.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ونهاية الناصرية، وفشل البعث في بعث الأمة، استوى الدين السياسي على عرش «الولاء والتبعية والعمالة»، فملايين من شباب العرب السنة يرون في بن لادن بطلا مخلصا، ويسمونه الشيخ بن لادن ويعتبرونه قائدا للجهاد لمحاربة الصليبيين واليهود - بما في ذلك إسرائيل!!

وملايين من شباب العرب الشيعة وغيرهم يرون الرئيس محمود أحمدي نجاد قائدا فريدا لا يعترف بإسرائيل ويطالب بمحوها من خارطة العالم. على الرغم من أنه لا يحاد إسرائيل ولم يطلق عليها رصاصة. إذن حسن نصر الله مثله مثل كل الملايين المتعاقبة التي هتفت للاتحاد السوفياتي، وتغنت بثورة الفلاحين بالصين، ورأت في شخص كصدام حسين بطلا قوميا محررا لفلسطين!! الفوارق هنا شكلية وليست جوهرية: دكتاتورية البروليتاريا ضد البرجوازية والإمبريالية، العرب والقومية العربية في مواجهة الصهيونية والاستعمار، والإسلام في مواجهة الصليبية والشيطان الأكبر وإسرائيل المسخ...

تبدو الصورة واضحة جلية، أليس كذلك؟