المعركة تزداد شراسة في السعودية

TT

كشف الداخلية السعودية عن 19 خلية جديدة تنوي القيام بعمليات إرهابية ضد مؤسسات، وأجانب، ورجال أمن، وإعلاميين، يعني أن المعركة بين الإرهاب والأمن السعودي تزداد شراسة. نص البيان السعودي يظهر أن «القاعدة» تحاول النيل من إنجازات الأمن من خلال استهداف أهداف سهلة، أو مكشوفة، مثل الإعلاميين والأجانب، وهؤلاء بالطبع لا يحظون بحماية فردية خاصة، وهو أمر مستحيل.

وعليه، فإن «القاعدة» تريد تحقيق هدفين؛ الأول هو ترهيب من ينتقدونها، أي الإعلاميين، والثاني هو هز صورة الأمن ونجاحاته المشرفة، داخليا وخارجيا. وهذا ما يجعل المعركة صعبة، وقاسية. والإشكالية في السعودية اليوم ليست في الجهد الأمني، أو تعاون المواطنين مع الأمن، بل في الشق الفكري، وتفعيل قوانين من شأنها تفكيك «صواميل» الإرهاب الصغيرة التي تسهم في بناء الماكينة الأكبر للإرهاب والتي تستفيد منها «القاعدة» في الاستقطاب، والتحفيز، وجمع الأموال.

والمقصود هنا هو حجم التساهل في التطاول على هيبة الدولة التي يسعى الإرهابيون للنيل منها، ومنذ الإعلان عن تنظيم القاعدة، فنحن نرى من وقت إلى آخر في السعودية سهولة إصدار الفتاوى التي تكفر وتفسق، وتعمق الانقسام، رغم صدور قرار ملكي يمنع الفتيا إلا لهيئة كبار العلماء، فإن هناك من يتجرأ، ويخون الآخرين بتهم تستحق المحاكمة والعقاب، لأنها عمل تحريضي صرف.

كما أن هناك إشكالية أخرى، وهي الانسياق وراء قضايا وتفاصيل ليست ذات بعد ديني، مثل الفتوى المفاجئة التي صدرت حول عمل المرأة، وقوبل الخطأ بخطأ آخر، حيث انطلقت الحملات الإعلامية، التي باتت إشكالية في الصحافة السعودية، حيث تولد احتقانات ليس لها فائدة، وهي ليست حوارات مفيدة، بل عملية تمترس وقصف عن بعد من فريق على الآخر، والضحايا هم من يقفون في المنتصف، والدولة بالطبع، وكلنا يعرف، وهذا ثابت تاريخيا، أن قرارا واحدا يصدر من الأعلى يحسم الأمور، مثل تعليم المرأة، وغيره.

والمساس بهيبة الدولة لا يقف عند هذا الحد، بل وصل حتى إلى قرارات صغيرة تنظيمية، مثل سعودة وظائف مدارس حفظ القرآن، حيث رأينا عملية تحريض خطيرة. وفرق كبير بين التحريض والاعتراض، فهناك من يؤلب باسم الدين وهو ليس في موقع سلطة، أو علم، حيث يستغل هؤلاء جدلا طبيعيا، ومفهوما، حول قرارات تنظيمية صغيرة لشحن الشباب، ودفعه للتطرف، فالدولة تقول إنه النظام، والمحرضون يقولون إنها الفتنة والكفر، والشباب، وللأسف، هم حطب هذا التحريض، ويمر الأمر بلا حساب أو عقاب!

وعملية استقطاب صغار السن للإرهاب تعني أيضا أنه ما زال هناك خلل في العملية التربوية، بشكلها الأوسع، من الأسرة إلى المدرسة، والعكس. وتعني أن السعودية في حاجة ماسة إلى مراجعة، وتقييم البرامج التعليمية الخاصة بالشباب، من المعلمين والمعلمات، إلى المناهج، وإلى كيفية إشغال وقت الشباب، والاستفادة من طاقاتهم، وليس بالعمل الدعوي في مجتمع مسلم محافظ في الأساس، بل من خلال تفعيل كل الطاقات الإبداعية، وملء أوقات فراغهم، وتوسيع أفقهم وتعليمهم أننا لسنا في دار حرب، بل في معركة بقاء تتطلب الحفاظ على كل قطرة دم.

[email protected]