المشكلة القبطية أكبر من زوجة هاربة

TT

ليس طارئا ولا غريبا أن ينشب شجار بين أتباع الأديان والطوائف، حيث تقع تلك الحوادث عمليا كل يوم وفي كل منطقة تماس جغرافية، لكنها تصبح قضية إن استمرت وتصاعدت.

هل هذا الوصف ينطبق على حالات الاشتباك القبطية الإسلامية في مصر؟

حقيقة لا ندري حجم المشكلة لكن نستطيع أن نخمن بأنها الآن محدودة لأننا سمعنا عن بضعة اشتباكات في مجتمع ضخم مثل مصر، ثمانية ملايين قبطي في ثمانين مليون نسمة. لكن، أيضا، يجب ألا تخدرنا الإحصائيات لأن الإشكالات السياسية لا تقاس بالعدد، ولا بالوزن، بل بالتأثير. فالخلاف على تحويل ملحق سكني إلى كنيسة ومقتل شخص واحد، أو التظاهر بسبب امرأة قد يعبر عن احتقان، وله مضاعفات.

والأقباط في مصر ليسوا أقلية كما يحب البعض أن يصفهم. ثمانية ملايين رقم كبير لا يمكن معاملته كأقلية، ولا يجوز معاملتهم وفق مفهوم التسامح. فهذا من المفاهيم السيئة التي كثر تداولها اليوم بكثرة وعن حسن نية. أحد المتحدثين من المسيحيين العرب، في مؤتمر شاركت فيه الأسبوع الماضي، وصف كلمة تسامح بالمهينة. هناك فارق واضح بين الحق والهدية، بين المساواة والتسامح. أنت تتسامح مع المخطئ وتمنح الغريب شيئا من حقوقك، والقبطي في بلده ليس مخطئا أو ناقصا حتى يتم التسامح عنه بل مواطن مثله مثل المواطن المسلم.

طبعا، حتى نفهم الاضطراب الحاصل علينا أن ننظر إلى الصورة الكبيرة. فالدولة العربية بمفهومها الحديث مؤسسة جديدة على المواطن والمسؤول. لقد صارع أبناء كثير من القبائل الحدودية ضد الجنسية وضد الحدود، على اعتبار أنهم أناس أحرار عاشوا لقرون طويلة يتنقلون بلا جوازات ولا هويات، ومؤسستهم القبلية أقدم من الدولة بمفاهيمها الحديثة. في نفس سياق الوطن، مفهوم المواطنة لا يزال محل نقاش نتيجة عدم تجانس فئاتها، في التبعية والحقوق والواجبات. لكن مصر أقدم المؤسسات الحديثة في العالم العربي وتكاد تكون الدولة العربية الوحيدة الأكثر تجانسا في أفراد شعبها، بخلاف معظم دول العربية، مثل العراق أو لبنان أو الجزائر.

والشقاق الطائفي والمذهبي سمة العصر اليوم في منطقتنا، بل هو «تطور» تاريخي «طبيعي» يعكس الحراك الداخلي، ويصبح خطرا عند تجاهله بدعوى أنه شجار يحدث في كل مكان وفي داخل الطائفة نفسها، أو بمعالجته بالوسائل الأمنية فقط. ولا نريد أن نبالغ هنا، فمصر ليست السودان، حيث إن الجنوبيين شعب مختلف الخصائص، أما الأقباط، فهم مصريون تاريخا وعرقا وحضورا. وحتى السودانيون الجنوبيون كانوا راغبين في البقاء ضمن خريطة السودان الكبير لولا أن الأنظمة التي حكمت السودان، وتحديدا النظام الأخير، اعتبرهم متمردين وشن حربا مروعة ضدهم، قتل فيها أكثر من مليون إنسان، حتى كسرت الجرة. لا يمكن بأي صفة كانت مقارنة أوضاع القبطي في بلده مصر حتى بوضع المسيحي في لبنان أو المسيحي في العراق.

لا تحتاج السلطات المصرية من ينبهها إلى مخاطر استغلال الموضوع القبطي سياسيا ضدها، سواء من القوى الداخلية المنافسة مثل الجماعات الإسلامية التي لا يهم بعض قياداتها بأي ثمن تحرك الشارع، أو من قوى خارجية بما فيها جماعات قبطية تريد إشعال الفتنة. وهذا ما يستدعي مراجعة حقيقية وسد الثغرات في كيفية مواجهة المشكلة التي نلاحظ أن أخبارها تنتشر بتحويل كل خلاف على زوجة هاربة أو بناء غير قانوني إلى نزاع سياسي. وسد الثغرات مثل إلغاء التسجيل الديني، فما جدوى تصنيف المواطنين دينيا في بطاقات الهوية ما دام النظام نفسه يرفض التمييز.

[email protected]