كلمة حق أريد بها باطل

TT

يضج العالم الغربي في هذه الأيام بموضوع حقوق الإنسان في الصين ويلحون على حكومتها بإقامة الديمقراطية وإجراء الانتخابات. يبدو لأول وهلة أن الغرب على حق في ذلك. ولكن الجدير بالانتباه أن هذا الضغط على الصين يتزامن مع التقارير الاقتصادية التي تفيد بأن الصين ستسبق أميركا اقتصاديا عن قريب وتصبح أول قوة اقتصادية في العالم. وأخذت موازين الدفع مع الدول الغربية تختل وتتباين لصالح الصين. لا تدخل مخزنا في هذه الأيام في أي مدينة غربية إلا وترى أن معظم البضائع المعروضة أمامك صينية الصنع. هذا شيء يرعب الدول الغربية التي تعودت على السيطرة على الصناعة والاقتصاد العالمي وعودت شعوبها على الرخاء ووفرة العمل والأجور العالية. راحت الحكومات الغربية تضغط على الصين أن ترفع سعر عملتها. بيد أن الصين رفضت هذا الطلب الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار بضائعها فلا تزاحم البضائع الغربية. فضلا عن ذلك ترددت المخاوف في أن يؤدي ذلك إلى حرب العملات بين الدول. لم يبق للغرب غير أن يضعوا قيودا على استيراد البضائع الصينية. وهنا أيضا ترددت المخاوف من أن تؤدي سياسة الحماية هذه إلى حرب اقتصادية بين الدول. فتنهار فكرة حرية التجارة التي يعتز بها النظام الرأسمالي. فما العمل؟

المعتاد في السنين السابقة أن تخوض الدول الحرب فيما بينها وتفرض سياستها على الدولة المهزومة، وهو ما فعلته إنجلترا عندما غزت في القرن الـ19 الصين لتفرض عليها فتح أبوابها للأفيون باسم حرية التجارة. بيد أن الصين اليوم ليس كصين الأمس ولا كعراق اليوم ليغزوها بشتى الذرائع والمبررات. أخيرا اهتدوا لهذا الحل: تدفق البضائع الصينية يرجع لرخص أسعارها. ويرجع هذا لرخص أجور عمالها. وهذا بدوره يرجع لحرمانهم من الحقوق النقابية وعلى رأسها حق الإضراب والاستمتاع بالامتيازات والحقوق العمالية المعتادة في الغرب. ويرتبط هذا كله بالحياة الديمقراطية. أصبح الطريق واضحا. كل ما يلزم لدحر البضائع الصينية هو فرض الديمقراطية على الصين. ولديهم درس جيد من العراق. كل ما يلزم لخراب أي بلد متخلف وتدمير اقتصاده هو أن تفرض عليه تطبيق الحياة البرلمانية الغربية كما هي مطبقة في الغرب.

لم تخف على الصينيين أسرار اللعبة ونوايا القوى الغربية، فذكروا الغربيين بتاريخهم. لم يصل الغرب إلى مستواه الحالي بالديمقراطية وإنما بالدكتاتورية والكولونيالية والقمع والاستغلال، بدءا بتجارة الرقيق واستخدام العبيد في الزراعة ثم استغلال المستعمرات وأخيرا استغلال الطبقة العاملة. لم ينل العمال حق التصويت حتى أواخر القرن الـ19. وعندما تظاهر العمال الإنجليز وطالبوا بهذا الحق فرقهم الجنرال ولنغتن بنيران المدافع. ولم تحصل المرأة على حق التصويت والانتخاب حتى أواسط القرن الماضي، أي بعد تحقيق الثروة والازدهار الاقتصادي. قال الصينيون: عن إذنكم! نحن أيضا سنقتبس ديمقراطيتكم ولكن بعد أن نحقق ما نريد من ثروة وقوة اقتصادية.

هل سيقبل الغرب بهذا الجواب، أم سيتآمرون ويسلطون عليها من يعكر استقرارها ويعرقل مسيرتها وينشر الفوضى فيها ويمنع آسيا من انتزاع السبق منهم؟