أبحث عن ذلك المدعو «أنا»!

TT

الخميس الماضي عنون زميلي وصديقي مشاري الذايدي مقاله في هذه الصحيفة بهذا السؤال: «أين محمد صادق دياب؟»، عبر فيه عن مشاعره الإنسانية تجاهي كزميل عصف المرض المفاجئ بقلمي وأوراقي وبعثر كلماتي، ومنذ زمن وأنا أحاول أن ألملم ذاتي لأرسو في ميناء هذه الرائعة مع بقية الزملاء من جديد، مقنعا نفسي بكلام قاله أحد الكتاب الفرنسيين: «إذا منعك من الكتابة ـ أو أوشك أن يمنعك ـ زلزال أو بركان أو مرض، فأنت لست كاتبا، وعليك أن تنعم بالتسكع في الشوارع والمقاهي ودور السينما كالكثير من خلق الله».

كنت أتأهب للنوم في حاشية من سهاد الغربة، وتوابع المرض، حينما طالعني مشاري بعنوانه المحفز «أين محمد صادق دياب؟»، أذكر أنني مددت يدي لأتناول هاتفي المحمول مسطرا رسالة له بأنني حتى أنا أبحث عن ذلك المدعو محمد صادق دياب، فهذا الوجه الشاحب المتعب الذي أشاهده في المرآة منذ أكثر من شهر ليس أنا، غرست بعدها وجهي في زجاج نافذة الغرفة الفندقية التي لم أغادرها منذ أسبوع إلا لمراجعة الطبيب، فالذي كان شقيا يتمرد على كل الفصول يتآمر عليه المرض وطقس نوفمبر الأوروبي لكي يظل رهين غرفته!

وقادني سؤال مشاري إلى أن أفتح جهاز الكومبيوتر محاولا أن أضرب موعدا على تلك الصفحة الشاغرة مع الكتابة، فأنا ولعبة الكلمات صديقان لم نفترق على مدى عقود، إلا مؤخرا، وهي لم تودعني، ولم أودعها، ولكن هذه اللعبة اليوم لم تغدُ سهلة، وجدت نفسي بعد هذا الغياب القسري كلاعب كرة قدم موقوف يزج به بلا مقدمات في مباراة ساخنة، فبدا طائش الركلات، متهيب الخطى، متعثر الركض، وهكذا ظللت أحطب بليل، أجدف يمنة ويسرة، يتملكني الوهن فأتوقف، ويحفزني الحنين فأواصل التجديف رغبة في الوصول إليكم من جديد.

وفي الصباح، وكنت أهم لأن أمسح وجهي من المرآة أحسست أن ثمة بعضا من ملامحي القديمة ينبت من جديد على سطحها، هل هو خداع المرايا؟! هل هي فرحة الكتابة؟! هل هي تباشير الشفاء؟ لست أدري، لكن ما أدريه أنني أشعر اليوم أفضل، أن رغبتي في تجاوز المرض أكبر وأكبر، وأن توكلي على الله أعمق وأرحب.

خاتمة:

لم تكن في مدينة طفولتي سوى 3 شجرات «نيم»، يلجأ إلى ظلالها المنهكون من حر الظهيرة، بعض الناس يشبهون تلك الأشجار، تمتد غصونهم لتربت على كتف المتعبين حنانا وأملا وأمانا، فتشعر معهم أن الدنيا لم تزل بألف خير.