(برافو) عليك وعلى زوجتك

TT

هو رجل ملتزم وفاضل، وزوجته أكثر التزاما وفضلا منه؛ حيث أنها منقبة وترتدي القفازات كذلك.

التقيت به صدفة بعد الإجازة الصيفية، وإذا الرجل غير الرجل، كان مختلفا (كومبليتلي) عما عهدته فيه من سماحة ومرح، كان الوجه عابسا، والصدر ضيقا، والزفرات تتوالى من شدقيه المترهلين.

أخذته على جنب لأستطلع منه مصيبته هذه التي حلت به، معتقدا أن قريبا له قد اغتيل، أو أن كارثة ماليه قد حلت به وأدت إلى إفلاسه. وعندما سألته وأبديت له خواطري، قال لي بالحرف الواحد: يا ليت ما حل بي هو ما اعتقدته، بل إنه أشد وأنكى.

فما كان مني إلا أن أقول فزعا: لا حول ولا قوة إلا بالله، أكيد أن أولادك أو زوجتك على الأقل قد اتكلت على الله.

قال: يا ليت يا ليت.

فتيقنت أن كارثة حقيقية قد حلت به (فحوقلت) مرة ثانية، ثم قلت له: أفصح، لا تستح ولا تخجل، فكلي أذن صاغية لك، ولن أبوح بسرك، ولن أثرثر به كعادتي حتى لحجارة الشوارع.

وقبل أن يحكي لي ما حل به، أخذت تنهال على مسمعي الشتائم الثقيلة منه على أوروبا وأهل أوروبا وكل من يسافر من المسلمين إلى أوروبا.

وأحسست أن تلك الشتائم تطالني بشكل أو بآخر لأنني من المترددين دائما على أوروبا، ولا شك أنني (انقمصت) قليلا، ولكنني (كرمى لعينيه ونظارته المقعّرة) بلعتها ـ وما أكثر ما بلعت.

المهم، فأخذت أهون عليه، طالبا منه أن يجلس بدلا من وقوفه وارتجاف أطرافه. طلبت له فنجانا من القهوة السادة، فيما تناولت أنا فنجانا من القهوة والسكر زيادة.

وانفتح لي الرجل وأخذ يحكي لي قصته قائلا: لا ما يهمني فالحكاية أصبحت مفضوحة، قول ما تقول واكتب ما تكتب، فالمسألة وما فيها: أنني ذهبت في هذا الصيف مع زوجتي إلى باريس، الله لا يبارك فيها.

عندها سألته بكل غباء: أنت تقصد الله لا يبارك في باريس أم في زوجتك؟!

فانتفض بوجهي مقاطعا: طبعا في باريس، اعتذرت منه قائلا له: أكمل وحقك عليّ.

استطرد قائلا: بينما كنت جالسا مع زوجتي المصونة في أحد المقاهي في شارع (الشانزليزيه) ونهضت لكي أحاسب، طلبت مني زوجتي ماءً لتعبئته في زجاجة فاضية، فقلت لها: أحسن نطلب زجاجة (افيان) كاملة، فقالت: لا إنها غالية، فأنا أريد ماءً من الحنفية لكي (اتشطّف) منها فيما بعد، فما كان مني إلا أن أطلب من (الغرسون) ذلك، وفعلا أتى بها قائلا: عليك أن تملأها أنت، ونزلت إلى الحمامات ووجدتها مشغولة، فقالت لي زوجتي: هاتها لنملأها في مكان آخر، وانطلقت معها في الشارع وهي تحمل الزجاجة الفارغة بيدها بكل براءة وتلوّح بها ذات اليمين وذات الشمال، ولفت نظري أن كل من واجهنا كان يتضاحك ويشير لنا، بل إن بعضهم التقط لنا صورا (بالبلوتوث)، وغضبت معتقدا أنهم يسخرون من زوجتي لأنها منقبة من رأسها إلى أخمص قدميها، إلى أن واجهني أحد معارفي، وصاح بي قائلا: ما هذا الذي تحمله زوجتك بيدها؟! فقلت له: إنها زجاجة فارغة، قال لي: فعلا إنها زجاجة فارغة ولكنها زجاجة (ويسكي)، وما أن سمعت زوجتي ذلك حتى خبطت بها على الرصيف وتناثرت أجزاؤها، وأتى البوليس وغرمونا مبلغا من المال معتقدين أننا سكارى، وأنا لا تهمني الغرامة، ولكن أخشى ما أخشاه أن من التقطوا لنا الصور قد بثوها على (الإنترنت)، فكيف أقنع من يعتقدون زورا وبهتانا أنني مع زوجتي قد شطّبنا على تلك الزجاجة الفارغة؟!

واليوم عاهدت ربي أن قدمي مع قدم زوجتي لن تعتب بعد ذلك بلاد أوروبا.

فقلت له صادقا: (برافو) عليك وعلى زوجتك يا حلو.

[email protected]