نجاد النووي المهموم بعد عرفات بالتناسل!

TT

قبل اجتماع نيويورك النووي في رحاب منظمة الأمم المتحدة الاثنين 3/5/2010 بمشاركة 190 دولة، كان الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي ترأس وفد إيران إلى الاجتماع بعد منحه والأعضاء المرافقين تأشيرة دخول من «دولة الاستكبار» الولايات المتحدة، مشغول البال وهو في طهران، ليس فقط بما قد ينتهي إليه مؤتمر نيويورك من قرارات في شأن المحاور الثلاثة التي عالجها، وهي: نزع السلاح النووي (الموجود حاليا)، ومحاربة انتشار السلاح النووي، وتطوير النووي المدني، وإنما أيضا بموضوع التناسل المتكاسل الذي هو نقيض التناسل الحيوي في مصر التي تشكو «المحروسة» من هذا التدفق للمواليد الذي يجعل الأزمات المعيشية والمشكلات الاجتماعية والقضايا التنموية تزداد تفاقما.

ولقد استوقفنا قلق الرئيس نجاد من تكاسل الإيرانيين وانحباس الرغبة عندهم في الإكثار من الإنجاب، إلى درجة التحذير، وللمرة الثالثة خلال أسبوع، من أن هذا التكاسل سيتسبب في «شيخوخة الأمة».

ومن جملة مضامين قلق الرئيس نجاد ورؤيته للمستقبل الإيراني، قوله: «إن البعض يقول بولدين فقط للعائلة، وهذا يعني أنه لن يبقى شيء من الأمة الإيرانية خلال أربعين عاما. أنا هنا لا أستطيع وغيري إرغام الناس على فعل شيء، إلا أنني أرى الخطر وأحذر. وبالنسبة إلى الإيرانيين الذين يقلدون الغربيين بالاكتفاء بولدين أقول إنه قبل أربعين عاما كان الغربيون يؤيدون تحديد النسل ويعتبرون أن الحياة أفضل إذا كان عدد الأولاد أقل، لكن شعوبهم شاخت اليوم وهم يشجعون العائلات على إنجاب مزيد من الأولاد عبر تقديم إغراءات مالية».

استنادا إلى واقع الحال، فإن عدد الإيرانيين حتى عام 2010 وصل إلى 75 مليون نسمة. وعندما انقلبت إيران من شاهانية إلى خمينية كان العدد حسب إحصاء رسمي 36 مليون نسمة، أي بمعدل مليون وبضع عشرات مولود سنويا. ومن قبل الرئيس نجاد، كان آية الله الخميني شجع الإيرانيين على الإنجاب فلبى الإيرانيون النداء وارتفع عدد الشعب عام 1988، أي خلال تسع سنوات ثورية، إلى 55 مليون نسمة. وكأنما الإمام الخميني كان يستبق سلفا ما ستنتهي إليه حرب مع العراق يخوضها ضد نظامه الصدامي، متطلعا إلى وضع اليد على بلاد الرافدين، ويسقط خلالها الألوف من الإيرانيين، فدعا الشعب إلى المزيد من الإنجاب وبذلك يتم التعويض بمولود على أي مدني أو عسكري يقضى في الحرب.

ثم تبين في ضوء نتائج الحرب أن مواجهة التداعيات التي نشأت تكون بتحديد النسل وأطلقت الجهات المختصة لهذا الغرض برنامجا يشجع الأزواج على الاكتفاء بولدين. ولهذا الغرض وتحت ستار «طفلان يكفيان» وزعت الحكومة مجانا حبوبا لمنع الحمل وواقيات ذكرية ونظمت دروسا حول أهمية منع الحمل وضروراته، ثم جاء الرئيس نجاد ليفاجئ الإيرانيين بأن تحديد النسل سيتسبب في «شيخوخة إيران»، ولذا فعليهم أن ينشطوا ويتناسلوا بكثرة.

وبطبيعة الحال هناك حيثيات يمكن افتراضها، تعمد الرئيس نجاد إغفالها تاركا للمتابعين مثل حالنا الإشارة إليها. ومن هذه الحيثيات، أن المواجهة في التقديرات النجادية آتية، وحيث إن التراجع عن الطموح النووي خسارة للشأن وإهانة للثورة، فإن الضحايا للمواجهة هذه بالألوف. ولهذا لا بد من باب استباق الأمور بتحفيز الناس على الإنجاب كي تعوض إيران الأرواح التي سقطت على مذبح الطموح النووي والصاروخي والعدوان الأميركي - الأوروبي - الإسرائيلي عقابا لإيران التي تريد أن تكون نووية مثل باكستان لكن المجتمع الدولي لا يريد.

والرئيس نجاد الذي عاود يوم الأحد الموافق 21/11/2010 الخوض في الموضوع، داعيا الفتيات الإيرانيات إلى الزواج في سن السادسة عشرة، معتبرا أن الدعوات لتحديد النسل «غير إلهية وأنها استيراد غربي»، ليس الرائد في مجال استنهاض الهمم الذكورية للإكثار من المواليد تأهبا لتعويض إيران قوافل ضحايا مواجهة يفترض الرئيس الإيراني وقوعها، فقد سبقه ولاعتبارات مختلفة الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي طالما كان يرى أن ظاهرة حيوية الحمل عند النساء الفلسطينيات، إيجابية ومن الضرورة الوطنية أن تبقى مزدهرة، وذلك بهدف أن تكسب القضية الفلسطينية الورقة السكانية، بمعنى أن عدد الفلسطينيين أينما كانوا في المخيمات والشتات العالمي هو أكثر من عدد الإسرائيليين.

وعلى رغم سلبيات الظاهرة من الناحية الاجتماعية والسكنية، وبالذات بالنسبة إلى ضيوف الذل في المخيمات، فإن الرئيس عرفات رحل وهو يرى أن التناسل المتكاسل يضر بالقضية وأن على الذكر الفلسطيني أن يكثر من الإنجاب. إلا أننا عندما نتأمل في الأحوال السكانية والاجتماعية للفلسطينيين نرى أن نظرية أبو عمار خلقت مجتمعات تحتاج فيها الأجيال الجديدة من الشعب إلى جهود للتأهيل وتأمين وسائل العيش البسيط، ثم مجالات العمل لاحقا، فضلا عن أن مدارس «الأونروا» تعجز عن استيعاب هذا الكم الهائل من النتاج الفلسطيني.

لكن في المقابل نرى أن دعوة أبو عمار إلى الإكثار من المواليد تحولت إلى سلاح طالما أشاع الخشية في نفوس الحكومات الإسرائيلية التي ردت عليه بتشجيع اليهودي الإسرائيلي على أن ينشط، والعمل في الوقت نفسه على استيراد المزيد من اليهود المنتشرين في دول العالم.

طرح أحمدي نجاد في احتفال شعبي برنامجا لتنظيم النسل يبدأ من 21/3/2011 ويقضي بوضع مبلغ 950 دولارا في حساب بنكي لكل مولود جديد، ثم يحصل المولود على 95 دولارا سنويا حتى يبلغ الثامنة عشرة من العمر، على أن يسهم الآباء بمبالغ مماثلة في هذا الحساب. وبعد أن يتم صاحب الحساب سن العشرين يستطيع أن يسحب الأموال للإنفاق على التعليم أو الزواج أو السكن.

العرض جذاب، إنما ليس لكل الناس، خصوصا أن ثلث سكان إيران (26 مليونا من أصل 75 مليونا) تراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة، وأن نسبة البطالة تتجاوز 10 %، فضلا عن أن رقعة العقوبات الدولية تتسع وتهدد برفع منسوب التوتر الاجتماعي من دون أن يسمعوا الكلام الواقعي من جانب الرئيس نجاد، عدا القول إن العقوبات على إيران ستلحق الضرر بدول أوروبا، لأن الإيرانيين عندما يسافرون للسياحة أو التجارة يفيدون تلك الدول. لكن الرئيس نجاد يتطلع إلى إيران وقد تضاعف عدد سكانها خلال عقدين أو أقل من الزمن، ومن أجل ذلك أطلق الخطة التحفيزية الشبيهة بالعروضات التي تقدمها المخازن الكبرى في مواسم الكساد، أو من أجل تصريف بضاعة على أهبة أن تنتهي صلاحيتها. ولقد أطلق الخطة من دون أن يوضح كيف سيتم التمويل، وهل سيكون هنالك إقبال على التناسل الذي يريد الرئيس نجاد الأخذ به انسجاما مع حالة انتظاره لـ«عصر تحقيق العدالة الإلهية» وتكون فيه إيران تفادت فيروس الشيخوخة.

ويبقى القول إن ما يحلم به الرئيس محمود أحمدي نجاد المتطلع إلى دولة المائة وخمسين مليون نسمة أو «إيران الكبرى من أفغانستان إلى فلسطين» كما يتصورها محمد باقر خرازي الذي يسعى لوراثة نجاد، لم يفارق خاطر الرئيس عرفات الذي كان يحلم بالدولة التي طالما ردد بأنه يراها على بعد مرمى حجر مزدهرة بالحجاج المسلمين إلى الأقصى والحجاج المسيحيين إلى كنيسة المهد، ومزدحمة بالفلسطينيين العائدين إلى الديار من المنافي والمخيمات، عندما أبرم صفقة أوسلو وقامت قيامة آخرين عليه. وبعدها يعاد النظر في الأمر وتبدأ دعوة معاكسة كما الحال في مصر والصين لتحديد النسل ما دامت موجبات سلاح عدد السكان أدت الغرض.. أو أنها زادت المشكلة الاجتماعية تفاقما. والله أعلم.