المنافسة التركية ـ الإيرانية في لبنان والشرق الأوسط

TT

زيارة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان للبنان لم تكن مجرد زيارة عادية من نوع الزيارات التقليدية المتبادلة بين الدول الساعية إلى التقارب وتحسين العلاقات الاقتصادية، إذ أضيف إلى أبعادها ومعانيها الاستقبال الشعبي لوريث «السلطنة العثمانية» التي كان لبنان تابعا لها، وكانت تمثل الحضور الإسلامي الدولي، بالإضافة إلى «الشعبية العربية» التي بات رئيس الوزراء التركي يحظى بها إثر مواقفه «الغاضبة» من إسرائيل.

بطبيعة الحال لا يستطيع المراقب إلا أن يقارن هذه الزيارة و«أثرها» على الساحة اللبنانية، بالزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، منذ أسابيع، والتي، هي أيضا، لم تكن «زيارة عادية»، نظرا لما رافقها من استقبالات شعبية وخطابات وتصريحات وردود فعل.

هل يعني ذلك أن تركيا وإيران باتتا تتنافسان في لبنان - أو في المنطقة؟ أو أن اللبنانيين والزعماء السياسيين في لبنان هم الذين يتمنون ويعملون على دفع إيران وتركيا إلى التنافس في لبنان بطريقة استقواء كل فريق من الفريقين المتنازعين بإحداهما؟

لقد حرص الحكم الجديد في تركيا على أن يتجنب أي موقف يمكن اعتباره منافسة تركية لسياسة إيران في المنطقة، بل إنه أكد وقوفه إلى جانب إيران في نزاعها النووي يوم حاول أردوغان، مع الرئيس البرازيلي، إيجاد مخرج لطهران في نزاعها مع وكالة الطاقة الذرية. ومن المعروف والمسلم به أن تركيا، لأكثر من سبب، حريصة على إقامة أفضل العلاقات مع جارتها الكبيرة إيران، ولكنها في الوقت نفسه، حريصة على المضي في «سياستها العربية» إلى أبعد حد، لا كبديل عن انجذابها التاريخي القديم نحو أوروبا والغرب، بل إكمالا وتمهيدا لانضمامها إلى الأسرة الأوروبية.

وهذا ما يحمل على الاعتقاد بأن تركيا لن تدخل في نزاع مع إيران بسبب لبنان أو سورية أو أي دولة أو محور عربي، ولكنها لن تجاري إيران في حربها على الغرب والولايات المتحدة، ولا في شعار «إزالة إسرائيل»، بل ستحاول الموازنة بين مصلحتها القومية السياسية والاقتصادية الشرق أوسطية، وتحالفها مع الغرب والولايات المتحدة، و«تعاونها» مع إسرائيل. ومن يدري، فقد تلعب يوما دور الوسيط بين سورية وإسرائيل؟!

ولا شك في أن الاتجاه القومي أو الإقليمي الذي سيتبعه الحكم العراقي الجديد، بعد الانسحاب الأميركي، من شأنه أن يرجح كفة الثقل القومي العربي في المنطقة أو الثقل الإيراني. ولا شك أيضا في أن تركيا تفضل عراقا قوميا عربيا متماسكا، على عراق تتحكم فيه إيران، أو عراق مفكك ومقسم، يحرك ملايين الأكراد المنتشرين في جنوبها. فالمسألة الكردية تشكل، في آن معا، عامل تنافس بين إيران وتركيا، للعراق دور كبير في تسخينه أو تبريده، كما قد تشكل عامل تقارب في المصالح الاستراتيجية. إلا أن التنافس الحقيقي والأعمق والأبعد مدى، بين أنقرة وطهران، يبقى التباين العقائدي بين حكم يقوم على عقيدة دينية - مذهبية - أصولية - ثورية - توسعية (إيران)، وحكم يقوم على ديمقراطية إسلامية دستورية عصرية (تركيا)، يعتمد الواقعية والشرعية الدولية والانفتاح والتعاون. فتركيا تعرف أن «إزالة إسرائيل من الوجود»، في الظروف والأوضاع العالمية الراهنة أمر شبه مستحيل، ولكنها تدرك أن مفتاح قلوب العرب والمسلمين هي القضية الفلسطينية، ولذلك فهي انتقدت – وستواصل الانتقاد – إسرائيل على سياستها ومواقفها المعطلة للسلام، ولكنها لن تنضم إلى معسكر الممانعة والمقاومة، بل قد تسعى جديا - مدعومة من الغرب - إلى لعب دور الوسيط بين العرب وإسرائيل. بينما الأمر مختلف مع إيران التي رفعت عاليا شعار «القضاء على إسرائيل» وبات من الصعب عليها إنزاله.

كثيرون هم اللبنانيون الذين يخافون من أن يتحول وطنهم إلى ساحة تصفية حسابات عربية - إيرانية - إسرائيلية - دولية، ولكنهم في الوقت نفسه باتوا يعتقدون أن خلاصهم ليس في يدهم، بل في يد القوى الإقليمية والدولية المتنافسة فيه وربما عليه. أما الزيارات التي يقوم بها القادة الدوليون والشرق أوسطيون إليه - وتلك التي يقوم بها الرؤساء والزعماء اللبنانيون إلى الخارج - فلا تتعدى كونها نوافذ وأبوابا تفتح أو تغلق في وجه مصير اللبنانيين.