سياسة كوريا الشمالية هي المسؤولة عن الهجمات الأخيرة

TT

سيول - بقصفها جزيرتنا في بحر كوريا، تكون المغامرة العسكرية الكورية الشمالية بذلك قد تخطت نطاق الأعمال الإرهابية السابقة، التي نفت بيونع يانغ تورطها فيها. والآن تعمد إلى استعراض عضلاتها بصورة علنية، وهي تعلم علم اليقين أن مثل هذا السلوك سيجعل من شبه المستحيل على حكومة كوريا الجنوبية انتهاج سياسة تصالحية تجاه الشمال.

تأتي آخر الهجمات، في أعقاب، شحنات الأرز والأسمنت التي بعثت بها سيول كمساعدات إغاثة لضحايا الفيضانات في كوريا الشمالية - وحتى بعد طلب حكومة الجارة الشمالية المزيد من الأرز والأسمدة على نطاق أوسع.

فهل نحن بصدد حالة من الثقة المفرطة الناجمة عن تعزيز كوريا الشمالية لقدراتها العسكرية؟ وهل وصل قادتها إلى هذه الدرجة من اليأس جعلتهم يعتقدون أن العمل العسكري سيكون السبيل الوحيد للنجاة من العقوبات الاقتصادية؟ وهل يشعرون بالحرية في مغامرتهم هذه لأنهم يعلمون أن الصين ستساندهم مهما أقدموا على شيء؟

ربما يفسر كل هذا ما وقع مؤخرا.

بيد أن أكثر ما يثير قلقي، الديناميكيات الداخلية للنظام الحاكم في كوريا الشمالية التي أدت إلى هذا الوضع المتدهور، وتحديدا، سياسة «العمل العسكري أولا» والتي أيدتها بيونغ يانغ لفترة طويلة.

أنا أرى نفسي بين من يبدون انزعاجا، على الرغم من الصعوبات التي تمر بها كوريا الشمالية، من زخم هذا التحول العسكري. حتى إن بعض المدافعين عن سياسة «الشمس المشرقة»، التي بدأها رئيس كوريا الجنوبية السابق كيم داي يونغ كسبيل للعودة بكوريا الشمالية إلى الاعتدال والانفتاح، يشاركونني هذا القلق أيضا.

فقد أضحت المناقب العسكري القيم السائدة في المجتمع، وسيطرت اللغة العسكرية على الحياة السياسية تماما، وباتت أي خطوة سواء أكانت عمليات تشييد أو حصاد، تتم بنمط عسكري كما لو كانت حملة في ساحة قتال، فـ«الجنرالات»هم القادة دائما، على الرغم من عملهم بشكل واضح في الجيش. ويذكرنا التاريخ بأن هذا النوع من هيمنة رجال الجيش على مقاليد الأمور الذي أزاح المجتمع المدني وهيمن على السياسة داخل دولة عادة ما ينتهي بالتخلي عن الديمقراطية عبر مغامرات عسكرية في التعامل مع العالم الخارجي.

هل أكون مغاليا في التفكير عندما أذكر قصف اليابان الإمبريالية ميناء بيرل هاربر، تلك المغامرة الحمقاء حين أقنع قادتها العسكريون أنفسهم بتفوقهم العسكري بعد أن وجهت الدولة الكثير من مواردها لتعزيز ذراعها العسكري، خاصة بحريتها؟ لأن الجيش كان له تأثير طاغ على الحكومة اليابانية، ويبدو أن المخرج المنطقي للقيود من العقوبات التي فرضتها أميركا يشكل تحديا للتهور العسكري.

أخشى أن يجعل هذا النفوذ السياسي الكبير للمؤسسة العسكرية، والمشكلات الاقتصادية التي تواجهها كوريا الشمالية، من الصعب على كيم يونغ إيل وعائلته السيطرة على مقاليد الديناميكيات الداخلية للنظام. وقد اعتاد آرنولد تويني وصف هذا النوع من الظواهر بـ«استعصاء المؤسسات»، وفي ظل ظروف معينة تسير الشعوب والحكومات في هذا الطريق الزلق إلى كارثة وهي تعلم علم اليقين نتائجها المحتومة.

لا يمكن لقيادة كوريا الشمالية أن تخلص نفسها من مأزقها الحالي بسبب التنافس الخطير مع كوريا الجنوبية، رغم الحقيقة التي لا لبس فيها بأن كوريا الجنوبية ذاتها تشكل تهديدا لوجودها، كما أشار لذلك أحد الباحثين المعروفين والمدافعين البارزين عن سياسة «الشمس المشرقة» مؤخرا.

هنا يكمن الخطر المحدق بجميع من في المنطقة، لا لكوريا الجنوبية وحدها، والمتمثل في كوريا الشمالية التي لم يتبق لها في ترسانتها للنجاة سوى أسلحتها، دفع بها إلى أعمال عنف غير مبررة أو التهديد بالعنف.

من المؤكد أن حكومات كوريا الجنوبية السابقة لم تتعامل بالصورة الصحيحة والمعقولة مع كوريا الشمالية في الماضي، لكنها حاولت بوسائلها الخاصة التعامل مع مشكلات هذه الدولة والدخول مع قادتها في محادثات ومساعدة الأفراد بالاحتياجات الأساسية للمساعدة في بناء نظام مستقر في شبه الجزيرة الكورية، بيد أن كل ذلك لم يكلل بالنجاح.

وتحمل الصين ثقلا خاصا في التعامل مع مشكلة كوريا الشمالية، وربما من سوء الحظ، من وجهة نظر أغلب الكوريين، استمرار اعتبار القادة الصينيين كوريا الشمالية أصلا هاما في سياق العلاقات مع الولايات المتحدة. فتدخلها في الحرب الكورية لا يزال هاما لا بسبب كوريا الشمالية ذاتها بل بسبب النجاح النسبي للصين في مواجهة الولايات المتحدة على أرض المعركة.

أنا لا أشارك هذا الانطباع بشكل مطلق، لكني أعتقد أن على الصين أن تولي مزيدا من الاهتمام بالأوضاع الداخلية لكوريا الشمالية، خاصة سيطرة الجيش على المجتمع، لأن الديناميكيات الداخلية لأي دولة سترتبط بصورة حتمية بسلوكها الخارجي. ولا يمكن للمرء مجرد غض الطرف عما يجري داخل دولة بحجة «عدم التدخل في شؤون الآخرين»، خاصة إذا كانت تلك الدولة تمر بمرحلة حرجة للغاية.

وفي هذا الإطار، فإن أعمال كوريا الشمالية لا تعتبر فقط تحديا لأمننا في المنطقة، بل لانعدام أمننا أيضا. وقد أعاد الهجوم المدفعي على كوريا الجنوبية إلى السطح القضية التي تشغل أذهان الجميع، ألا وهو دور كل من الولايات المتحدة والصين في أمننا الإقليمي جراء تحول القوة باتجاه الشرق.

وقبل وقت ليس ببعيد، إثر غرق سفينة سيونان هام، التابعة للبحرية الكورية الجنوبية، أجرى التلفزيون الصيني الرسمي مقابلة معي وسألتني المذيعة: «لماذا ينبغي أن تتدخل الولايات المتحدة، وهي قوة أجنبية، في شؤون منطقتنا؟ لماذا لا يزالون يحتفظون بمثل هذا الوجود العسكري في شبه الجزيرة الكورية؟».

ذكرت السائلة بلطف أن الولايات المتحدة جاءت إلى هذه المنطقة نتيجة لحرب المحيط الهادي، التي دخلتها بعد الهجوم عليها من قبل اليابان، وحافظت على وجودها هنا منذ ذلك الحين. وأما بالنسبة للوجود العسكري الأميركي في كوريا، فقد انسحبت أميركا من شبه الجزيرة لكنها اضطرت إلى العودة في أعقاب اندلاع الحرب بعد أقل من عام على انسحابها.

وكأبناء شرق آسيا، ربما تكون لدينا اعتراضات على الوجود العسكري الأجنبي على أراضينا، لكن الحقيقة التي لا لبس فيها هي أنه لم يكن هناك نزاع عسكري رئيسي على شبه الجزيرة أو في أي منطقة على مدى أكثر من نصف قرن منذ الحرب الكورية، ودون شك فمنذ غزو اليابان لجيرانها، أصبحت عامل استقرار في المنطقة على نحو واضح لأننا لم نتمكن من إدارة شؤوننا الخاصة.

وخلال الأزمة الحالية، لا يمكننا التقاعس والقول بأن مشكلة كوريا يمكن حلها في نهاية الأمر عبر الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، في الوقت الذي لا نزال نواصل فيه النقاش حول الوجود الأميركي في المنطقة.

إذا أردنا أن ندير شؤوننا بأنفسنا ورغبنا في خفض النفوذ الأميركي حولنا، كما تزعم الصين، يجب على دول شرق آسيا أن تتمكن من التعامل مع مشكلاتها بنفسها. وهذه الأزمات المتتالية التي أثارتها كوريا الشمالية، كل واحدة منها أكبر من التي سبقتها، تجعل هذه الحتمية أقرب إلى الواقع.

* مستشار الأمن القومي للرئيس الكوري الجنوبي السابق روه مو - هيان، والسفير السابق لدى اليابان وبريطانيا. ويشغل حاليا منصب رئيس جامعة ووسك.

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»