لماذا إصرار إسرائيل على تدمير فرص السلام؟

TT

«الظلم في أي مكان يهدد العدالة في كل مكان»

(مارتن لوثر كينغ)

يصعب علي أن أصدق أن القيادة الإسرائيلية الحالية غبية، مع أنني مثل عشرات الملايين متأكد من أنها الأكثر تطرفا في تاريخ الدولة العبرية.

ولكن التطرّف وحده يستحيل أن يدفع أي قيادة سياسية وصلت إلى الحكم عبر الانتخاب الديمقراطي إلى تبنّي التصعيد والتطرف، وسط منطقة تتأجج بالغضب والحقد والمرارة. ولذا، يستغرب كثيرون كيف تتصرّف حكومة كحكومة بنيامين نتنياهو، فيها أشخاص لديهم الحد الأدنى من القدرة على التحليل، بطريقة تتجاهل مؤشرات التفجر المنبعث من مرارة الإذلال.

ولكن هذا بالضبط ما تفعله.

وكأنما «مهزلة» تجميد الاستيطان، وقبلها «حصار غزة»، وقبله «جدار الفصل».. حالات لا تكفي لاستفزاز الحقد، ونسف مقومات أي سلام قابل للحياة، تطل علينا استفزازات أخرى.. أحدثها مشروع القانون الجديد الذي تفكر بعض الكتل الممثلة في حكومة نتنياهو في سنِّه، ويعرِّف مدينة القدس ليس فقط كـ«عاصمة لإسرائيل» بل كـ«عاصمة الشعب اليهودي». وتخطيط وزارة المواصلات لمد سكة حديد من وسط إسرائيل إلى مستوطنة أرييل الواقعة في عمق الضفة الغربية قرب مدينة نابلس.

في وضع طبيعي، خطوات من هذا النوع تعدّ نقضا لمبدأ «التفاوض من أجل السلام» المدعوم دوليا. وهذا يحفّز لمبادرة عاجلة لتوحيد الصف في الشارع الفلسطيني، وإعلان «حالة التأهب القصوى» في العالم العربي، ومسارعة المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل.. وطبعا، إعلان «الراعي الأميركي» بحزم أن «اليد العليا» في قضايا استراتيجية تمسّ الأمن العالمي، مثل مكافحة «الإرهاب» والتصدّي لـ«الأصولية» يجب أن تكون لواشنطن.. وليس لتل أبيب.

هذا لو كان الوضع الإقليمي «طبيعيا». لكننا ندرك مع مرور كل يوم أن الواقع ليس كذلك. فالشرخ الفلسطيني يتعمّق رغم كل الكلام الأخوي. والضعف العربي يصدق معه وصف «يصعب ع الكافر». أما المجتمع الدولي فلا يجد أن له دورا ما دامت الأطراف الأساسية المعنية بالنزاع، أي «الشاة» العربية و«الذئب» الإسرائيلي و«الراعي» الأميركي، راضية بقواعد اللعبة. وأما «الراعي» الأميركي نفسه فقد أقنع نفسه منذ زمن طويل بأن بوصلته الوحيدة في المنطقة هي البوصلة الإسرائيلية.

إذا كيف تفكر إسرائيل؟ وماذا تريد؟ وكيف تخطّط؟.. أسئلة تختصر الإجابة عليها المسألة برمّتها.

إسرائيل تقرأ اليوم متغيّرات إقليمية مهمة، ولا سيما، في بلدين غاية في الهشاشة والخطورة هما العراق ولبنان، في طليعتها تراجع الحضور العربي لصالح الاستقطابات الطائفية التي ترتوي - عن قصد أو من دون قصد - من العملاقين الإقليميين الرابضين على الحدود الشرقية والشمالية للعالم العربي.. إيران وتركيا.

قد يكون في صميم مصلحة إسرائيل سقوط ما يسمى بـ«الخيار العربي». فهي تاريخيا ربطت استراتيجية بقائها بتدمير أي فرصة قد تساعد على التقارب العربي. لكن، بما أن السياسة لا تعترف بوجود «الفراغ».. فإن غياب «الخيار العربي»، أو تغييبه، يدفع إلى الحلبة قوى أكثر قدرة من العرب على ملء «الفراغ» واتخاذ القرارات، بما فيها تلك التي تتعلق بمصائرهم.

في العراق واضح جدا اليوم دور إيران «السلطوي» الحاسم، ولا أدلّ على ذلك من أن «التوافق» على إعادة إسناد رئاسة الحكومة إلى نوري المالكي تحقق بمباركة إيرانية - أميركية. والمعنى المقصود أن واشنطن تقر اليوم بالدور الإيراني وتتعايش معه. ومن ناحية ثانية، نتذكر أن العراق ربما ما كان سيظل دولة واحدة - رغم الشك بأنها موحّدة - لولا «الفيتو» التركي على انفصال كردستان.

أما في لبنان، فخير دليل على الاستقطاب الإيراني - التركي ما رسمه اللبنانيون للعالم أجمع من مشاهد عظيمة المغزى خلال زيارتي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ورئيس الحكومة التركية رجب طيّب أردوغان إلى المناطق اللبنانية.. المتعددة الولاءات والمتناقضة الغايات.

إيران اليوم يحكمها «الملالي» في ظل مبدأ «دولة الولي الفقيه» لا الشاه محمد رضا بهلوي، وتركيا على رأسها اليوم «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي الذي لا يمتّ بصلة إلى علمانية أتاتورك و«أطلسية» عدنان مندريس. وتل أبيب ومن خلفها واشنطن تفهمان، من دون أدنى شك، ما هو حاصل. أما الشيء العجيب فإنهما ليستا متضايقتين منه، وهذا كي لا نقول إنهما سعيدتان به.

لماذا يا تُرى؟