الإرهاب موجود.. إلى متى؟

TT

هو الخبر الجديد القديم، السلطات الأمنية السعودية تنجح مجددا في إلقاء القبض على مجموعات إرهابية يقارب عددها المائة وخمسين شخصا، جلهم من الشباب السعودي كانوا «على وشك» تنفيذ عمليات إجرامية بحق منشآت نفطية وعمليات اغتيالات بحق شخصيات عامة من مسؤولين ورجال أمن وإعلاميين، ووجدت بحوزتهم كمّا هائلا من الأجهزة والمعدات والأدوات الإلكترونية المستخدمة للتواصل والتنصت والتضليل، وكذلك مبالغ نقدية تزيد على مليوني ريال.

المهم في الخبر أن الفكر الضال أو الفكر الباغي أو الفكر الإرهابي المتطرف، أيا كانت أسماؤه، لا يزال لديه القدرة على استقطاب وتجنيد الشباب بأعداد كبيرة، معتمدا على نفس الرسالة ومستخدما نفس الأفكار، وهي علامة وإشارة لا يمكن إغفالها ولا التقليل من أهميتها على الخلل الموجود والمستمر في المواجهات الفكرية.

هناك «أرضية» ما تدخل عليها الأفكار المتطرفة وتنبت وتقوى، وهي التي تظهرها فداحة المساحة الموجودة بين الإنجازات الأمنية الحاصلة والإخفاقات الفكرية. حتما هناك فجوة كبيرة بين الأمرين، فالتشدد لا يزال يعاني منه السعوديون في مجالات شتى وفي آراء كثيرة، بحّت أصوات الكثيرين منهم وهم يحاربونها ويوضحونها وينتقدون حدتها وقسوتها وغلظتها ويظهرون أنها آراء «شاذة» وغريبة لا تسير مع سياق فقه المقاصد، ولا حتى في بعض الأحيان، مع السيرة النبوية الشريفة، على صاحبها أعطر صلاة وأزكى سلام.

الحرب على الإرهاب هي تحليق مستمر يعتمد فيه على جناحين: المواجهة الأمنية، التي تحولت بامتياز إلى حرب استباقية؛ يتم اختراق الخلايا وكشف وفضح وتدمير مخططاتها، والمواجهة الفكرية التي من المفروض أن تكون المسألة فيها تشريحا للفكر الدخيل والآراء الخاطئة والتراث المتشدد، أيا كانت صورته ومهما كان قائله، وهناك لا بد من تذكر قول أحد أئمة أهل السنة والجماعة الأفذاذ الإمام مالك حينما قال «كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر» في إشارة للرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، وبالتالي لا قدسية لأحد ولا مكانة خاصة لفتوى أو رأي أحد إذا استخدمت لتضليل الناس والعبث بأفكارهم وبالتالي لتدمير البلاد. كل هذا هو نتاج الفكر «الحركي» في الثقافة السياسية في الإسلام، والاعتقاد لدى الكثيرين أنهم «أفضل من غيرهم، وأن لهم القدرة والمعرفة في تحقيق إرادة الله على الأرض، وأن عليهم تغيير الواقع بأيديهم وبالقوة والعنف والدم، مهما بلغ الثمن وكانت التكلفة، وهذه معضلة وإشكالية قديمة لا يزال ينظر إليها بإعجاب، ويروج لها عدد لا بأس به من المشايخ والعلماء، وهي بالتالي أشبه بمن يقوم بسكب الزيت على نار حامية. لا تزال هذه الحالة هي بيت القصيد، ولا تزال المواجهة الفكرية الصادقة والحقيقية هي أم المعارك، وبالتالي إذا لم تحصل لن يكون الخبر «غريبا» إذا ما استمرت الإعلانات والبيانات الصادرة عن القبض على المزيد من الشباب المنضمين لمجاميع الإرهاب.

الوضع لا يزال خطيرا، وهو مشكلة الكل وليس الأجهزة الأمنية وحدها، فالقنبلة الإرهابية حينما تنفجر لا تفرق شظاياها بين أحد، لأنها ستطال الجميع.

[email protected]