النهي الإيطالي عن المنكر

TT

سئمت إحدى المدن الإيطالية من التنانير النسائية القصيرة الفاضحة والملابس المثيرة الفاتنة فقررت أن تدرس فرض حظر على الملابس النسائية التي تثير الغرائز في إطار حملة مكافحة السلوك الاجتماعي السيئ وعدم اللياقة كما ورد في بيان المسؤول الإيطالي، هذه خلاصة معلومة وردتني من الصديق أحمد المري وزير الأوقاف القطري السابق أحمّله مصداقيتها ومسؤولية مصدرها!!

هذه نسخة إيطالية من النهي عن المنكر ومن معقل الكاثوليكية، مع أنك لو دققت في أحوال الأمم والدول ستجد عندها نهيا عن المنكرات بطريقتها، الاختلاف هو في السقف والمنطلقات، أما المنطلقات فبعضها من منطلق ديني صرف، مثل السعودية وعدد من الدول الإسلامية، والأغلبية الساحقة من دول العالم من منطلق قانوني بحت، والكل يصب في صيانة الأخلاق والذوق العام. وأما السقف فلكل دولة سقف ترتضيه، من تجاوزه فقد ارتكب منكرا يجب نهيه عنه ومرتكبه يقع تحت طائلة العقاب، ففي أوروبا مثلا مهنة البغاء منكر تنهى عنه عدد من الدول الغربية مثل بريطانيا وإسبانيا وفرنسا، وتسمح به وتقنن له قلة من الدول الغربية مثل هولندا والنمسا، بل إن بعض الدول تنهى عن منكر في منطقة وتحظره في منطقة، فالقمار ومهنة البغاء منكران يعاقب عليهما القانون في كل الولايات المتحدة ومسموح بهما في ولاية نيفادا الصحراوية حيث تتمدد على رمالها الكثيفة بعنفوان وتمرد مدينتها الصاخبة الساهرة «لاس فيغاس».

كما أن لكل دولة توصيفا لما يجوز ويحرم من اللباس، فمع أن الدول الغربية تتباهى بحريتها المطلقة، لكن هناك قيودا وأنظمة تضبط ما يجوز كشفه وما يجب تغطيته، فليس لسيدة لندنية مطلق الحرية في أن تتشمس على نجيلة الهايد بارك كاشفة عن صدرها العاري، وليس لشاب الحق بقوة القانون في مدينة برايتون البريطانية، أزعجه حر أغسطس (آب)، أن يتمدد على شاطئها كما ولدته أمه، كل هذه منكرات يعاقب عليها القانون، وعلى مرتكبها غرامات مالية، في وقت يبدو فيه تعري السيدات والسادة أمرا طبيعيا لا يلفت النظر ولا يعتبر منكرا يعاقب عليه القانون على شواطئ إسبانيا والبرازيل، بل إن أميركا التي تحظر العري الكامل في المناطق العامة وتعتبره منكرا تعاقب عليه ولاياتها المختلفة تجد أن القانون يسمح بـ«شواطئ سوداء» مخصصة للعراة، المنكر فيها أن يوجد رجل أو امرأة يغطيان عورتيهما.

هذه المنكرات التي تنهى عنها القوانين الغربية تحظى باحترام مواطنيها، فلا مجال عندهم لتوزيع التهم بالتعدي على الحريات الشخصية أو وصمها بالتطرف والتشدد، وفي المقابل نلحظ مطالبة بعض المثقفين بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلد مثل السعودية، مع أن الدولة تعتبر الهيئة مطبقة لقوانينها وأنظمتها التي تستمدها من الشريعة الإسلامية لضبط السمت العام والمحافظة على سياج الأخلاق، وهو الذي بدأت دول أوروبا تتلمسه بعد فترة طويلة من التيه الأخلاقي، وحتى لو لم يعجب بعض الغربيين النظام الإسلامي في تقنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة مراعاة حقوق الإنسان فهي تظل في أعيننا مجرد ملاحظات لا تعنينا كثيرا، لأن هذه أنظمتنا وقوانيننا تماما مثل عدم اكتراثهم كثيرا لو أن شريحة من المتحررين في دولة مثل بريطانيا لم يعجبها حظر مهنة البغاء أو القمار أو الحشيشة لأن هذا ما تفرضه أنظمتهم وقوانينهم، ويجب التنبيه هنا إلى أن هناك فرقا واضحا بين المطالبة بإلغاء مؤسسة الحسبة أو تضخيم أخطائها، وبين توجيه النقد المشروع لها ولممارساتها لترشيد مسيرتها وتطوير أدائها وتصحيح أخطائها.

[email protected]