ثلاثة أمكنة

TT

رغم كل هذا السفر حول العالم، كل هذا العمر، رغم كل هذه الرغبة في الكتابة عن الأشياء والتواريخ والمشاهد، ثمة ثلاثة أمكنة لم أفكر مرة في الذهاب إليها: «هوليوود، ولاس فيغاس، وعالم ديزني». وهذا الصباح أسأل نفسي، لماذا؟ هل هناك سبب لا شعوري، أم أنها مجرد مصادفة: ثلاثة أماكن ذهب إليها مئات الملايين، وما كانت على دربي ولا كنت على دربها؟

لا أدري. ربما لأنني في داخلي أشعر أنها أماكن غير حقيقية. عالم ساحر، لكنه مركب. مثل بيوت «الليغو» التي يصنعها الأطفال في دقائق ويفككونها في لحظات. طبعا هو عالم مثير، بحيرات في الهواء، وقطارات في الهواء، ومراع للبقر كأنك في أميركا القرن السادس عشر. أليس هذا العالم المركب آثاره من قلعة بعلبك الرابطة في الشمس منذ آلاف السنين، أو من أعمدة تدمر المحاطة بالرمل هذه الأيام؟ أليس الخيال جميلا، وأحيانا أجمل وأنبل من واقع رديء؟

لا أدري. أشعر أن أميركا مبالغة في الحداثة. لا أقدام لها في التاريخ، لذلك تبني في لاس فيغاس باريس مصغرة وبندقية مصغرة بكامل قنواتها. لكن ماذا تفعل بالعبق غير المرئي للتاريخ؟ من أين تأتي به؟ تحيرني أميركا. أحزن لها وأنا أراها تدفع 40 مليون دولار ثمن لوحة لزجاجة كوكا كولا رسمها آندي وارهول. ومما تشكو الحداثة، ألن تصبح ذات يوم هي القديم ويصبح مكانها في المتاحف؟ ومما تشكو هوليوود التي أدخلت السلوى إلى ملايين البشر حول الأرض؟ ومما يشكو عالم ديزني الذي يبهج الأطفال بهجة يغبطهم عليها الكبار؟

لا أدري. أحيانا كثيرة أنا أيضا أحب الرسوم المتحركة وأضحك طويلا لمطاردات «توم وجيري» ومقالب أرنب شركة «وارنر». لكن لا فضول ولا رغبة في الذهاب إلى كاليفورنيا وفلوريدا ونيفادا لكي أشاهد أهرامات مبنية من حصى ومدنا قائمة على الخداع البصري الساحر، وليس فيها مقيمون دائمون. اللهم إلا مدافن هوليوود، التي تجتذب أكبر عدد من السياح في المدينة، بدل مدافن الفراعنة تذهب لزيارة مدفن فالينتينو ومارلين مونرو. وثمة قبور محزنة أيضا: مدفن الممثل ديفيد وايت الذي توفيت زوجته وهي تضع ابنهما جوناثان، فعاد جوناثان ومات على رحلة «بان إم 103»، فوق لوكيربي 1988، فبنى ديفيد مدفنا لابنه وله ومات غما بعده.