في مقهى الشعراء

TT

من معالم لندن مقهى ومطعم صغير في منطقة هولبورن بلندن، يتميز عن بقية المقاهي بتخصصه في ميدان الشعر واحتضانه للشعراء. كثيرا ما قصدته، لا لتعلقي بالشعر أو حبي للشعراء، وإنما لقربه من مكتبي في هذه الجريدة ورخص أسعاره. أشرف هذا المقهى على الغلق قبل سنوات بعد أن أفلست صاحبته الشاعرة وخسرت كل ما عندها على إدامته والصرف عليه بالنظر لقلة الزبائن. فالإنجليز لا يحبون الشعر ويتحاشون صحبة الشعراء. كنت أجلس فيه فلا أجد أحيانا غير فتاة أو فتاتين صبيتين تشتريان فنجان قهوة بباوندين لا أكثر لتريحا قدميهما المتعبتين من الجري وراء الشبان.

بدأت صاحبة المقهى الشاعرة سوزانا تفكر بوضع حد لهذه المغامرة وغلق المقهى، ولكن الله تعالى رءوف بالعباد، مسلمين أو غير مسلمين، وبدون شك، يبدو سبحانه وتعالى رءوفا بالشعراء، وإلا لانقرضوا منذ بزوغ الثورة الصناعية واختراع الفونوغراف والسينما. دبت الحياة فجأة في هذا المقهى وازدحم بالزبائن بعد تدفق الشعراء العرب، لاجئين في العاصمة البريطانية، حيث أصبحت لندن عاصمة للفكر العربي وحبك المؤامرات لإسقاط الأنظمة العربية والعيش على مخصصات اللاجئين التي يتسلمونها من الإمبريالية البريطانية.

لا تمر أمام المقهى في هذه الأيام إلا وتجد مدخله مزينا بملصقات تقول باللغتين العربية والإنجليزية، «ندوة للشعر الموريتاني»، أو «أمسية لشعراء الخليج»، أو: «الشعر العربي في الغربة».

الإنجليز قوم مؤدبون ويعطفون على الغريب. يحضرون لهذه الأمسيات ويجلسون بكل صبر وجلادة، يستمعون لما لا يفهمونه ولا يفهمه أي عربي عاقل.

ذهبت قبل أيام لحضور أمسية شعرية لصديق عزيز عليّ. تفضل علينا الزميل فاضل سلطاني بمشروب وجلسنا ننتظر الحصاد الأدبي للصديق المشترك. بدأت الأمسية السيدة سوزانا، صاحبة المقهى بقراءة شيء من آخر إنتاجها من الغزل بمدينة سنغافورة. ثم تلت ذلك بكلمة تحذير للزبائن.

«الرجاء ألا تتجمهروا على الرصيف خارج المقهى عند الاستراحة أو بعد انتهاء الأمسية. تفرقوا وافرنقعوا بعيدا عن المقهى، ففي هذه الديرة من منطقة هولبورن أناس يكرهون الشعر ولا يطيقون الشعراء. لا يرون أحدا يتجمهر أمام هذا المقهى إلا واتصلوا بالشرطة والبلدية ليحتجوا ويقولوا: شعراء متجمعون على الرصيف. الرجاء تفريقهم وإنقاذنا منهم. وعندئذ تأتي الشرطة وتحيلنا للمحاكمة وتفرض غرامة 25000 باوند عقوبة على مقهى الشعر لتسببه بتجمع الشعراء في الشارع».

كما قلت، الإنجليز قوم مؤدبون. لا يعترضون على تعاطي الشعر ويتركونك تنهمك في نظم (؟) الشعر الحديث داخل بيتك. ولكن إياك أن تخرج بذلك إلى الأماكن العامة وتزعج به الجمهور.

خرجت من المقهى أفتش عن هؤلاء المعارضة ضد الشعر لأنضم إليهم. فهناك حاجة ملحة لتنظيم حزب يتولى مقاومة الشعر الحداثي وكل هذا الكلام اللي يوجع الرأس ويجعلك تعتقد أنك تعاني من الالزايمر أو الدسلكسيا.