مبادرة لدعوته.. بعد مبادرته لدعوتنا

TT

أتت مبادرة مسعود بارزاني بتشكيل الحكومة العراقية في ظروف سياسية وأمنية بالغة التعقيد، ولم تنفع معها جميع المحاولات الداخلية والخارجية، وتشابكت الرؤى وتعقدت مع مرور الزمن بشكل طردي، فكلما ازداد الوقت المبدد ازدادت الأمور تعقيدا وتفاقم التدهور الأمني بالتزامن مع تقاطعات القوى السياسية، وبعد أن بلغت الأزمة أعلى مستويات الاستعصاء، جاءت المبادرة وفق مقاسات دقيقة جدا وصاغتها يد تعتمد على خبرة سياسية تنتمي للمكان وتسعى بحذق لمراعاة أن لا يكون هناك غالب أو مغلوب، وبعيدا عن أية تدخلات أو ضغوط أجنبية ومن دون أية إملاءات، كانت خارطة طريق المبادرة هي المشتركات الوطنية ونجاح التجربة واحترام الاستحقاقات الانتخابية والركون إلى تشكيل حكومة الشراكة الوطنية.

ما الذي ترشح عن المبادرة أو ما الذي تؤثره؟ نعتقد أن اختيار أربيل لعقد المؤتمر الوطني للقوى السياسية العراقية يؤكد بالقناعة المطلقة أن الكرد جزء حيوي من العراق ومن مرتكزات وحدة ترابه واستقلاله، وهذه الإشارات لا تحتاج إلى ذكاء شديد.. كما يبرهن الكرد وبالمختبر السياسي أنهم جزء من الحل وليسوا جزءا من المشكلة، كما تحاول أن تصوره القوى القومجية المعادية للكرد بشكل مسبق...

وقد لاحظ المراقب السياسي أن الكرد جعلوا من أولوياتهم المصلحة الوطنية واهتموا بحلحلة الأزمة.. كما يؤكد الكرد أنهم على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والمكونات، وقد حرص المشرفون على المؤتمر أن يضعوا الفرقاء السياسيين المجتمعين بجوار بعض ووظفوا كل شيء سواء بالكلام أو الإشارة إلى ضرورة أن تكون مصلحة العراق فوق الميول. وحرص مسعود بارزاني في بغداد على لبس الزي المدني وهو المعروف عنه دائما بلبس الزي الكردي، وذلك في إشارة منه إلى البعد الوطني في مسعاه السياسي.

لذا تكللت جهود بارزاني بالنجاح ولاقى الترحيب من الولايات المتحدة ومن الاتحاد الأوروبي والعرب، ولا سيما من الخارجية السعودية على الرغم من المبادرة الكريمة من قبل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي دعا الفرقاء العراقيين لزيارة المملكة للتصالح والوصول إلى حل في أزمة تشكيل الحكومة، والذي طالما وقف إلى جانب العراق والعراقيين من دون تمييز. ولا ننسى أنه بعد التغيير الذي حصل منذ الإطاحة بالنظام العراقي السابق كانت الحدود السعودية هي الأكثر أمانا من باقي حدود العراق وأمنت مساحة أمنية واسعة للعراق على العكس من بقية المناطق الحدودية للعراق، وإن اختلفت في مستويات تسهيل مهمة القوى الإرهابية للدخول إلى العراق والعبث في أمنه وإفشال تجربته.. فالملك السعودي والشخصية العالمية التي طالما وضعتها وسائل الإعلام الأجنبية من بين الشخصيات الأكثر تأثيرا في السياسة العالمية، نحن العراقيين الآن بحاجة ماسة له لتعميق وتعزيز التعاون مع المملكة لأسباب كثيرة، منها ثقل السعودية العالمي والإسلامي والعربي.. مما يسهل مهمة العراق في الانفتاح على الفضاء العربي والإقليمي ويمنح القوى السياسية مناعة من عبث القوى الإقليمية الأخرى للاستفراد بالعراق في الظروف الراهنة.

لذلك نرى أن نجاح المبادرة التي شكلت مساحة مضيئة لمسعود بارزاني في تاريخ العراق السياسي، ستأخذ كامل مدياتها لو تكللت بدعوة العاهل السعودي من قبل الحكومة العراقية. فهي فرصة تاريخية، بعد تشكيل الحكومة، أن تكون أول دعوة للحكومة العراقية موجهة للعاهل السعودي بعد شفائه، إن شاء الله لزيارة العراق، فسيكون للزيارة ثقلها وبعدها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وستخمد الكثير من نيران الطائفية والفتنة.. هل هو حلم؟ أم ضرورة يمليها الواقع؟ سؤال موجه لذوي الشأن.