الرجال الأرانب

TT

من قراءاتي التراثية:

كان الحسن بن علي رضي الله عنهما مطلاقا ومنكاحا، فوجّه ذات يوم بعض أصحابه لطلاق امرأتين من نسائه، وأمره أن يدفع إلى كل واحدة منهما عشرة آلاف درهم، فلما رجع إليه قال: «أما إحداهما فنكست رأسها، وأما الأخرى فبكت وانتحبت»، وسمعها تقول: «متاع قليل من حبيب مفارق»، فأطرق الحسن وترحم لها وقال: «لو راجعت امرأة بعد فراقها لراجعتها». وذكرت كتب التاريخ أنه تزوج ما يقرب من 40 زوجة ما بين حرّة وما ملكت يمينه.

وكان أبوه رضي الله عنه يضجر من كثرة تطليقه، حتى قال ذات يوم على المنبر: «إن حسنا مطلاق فلا تزوجوه»، فقام رجل من همدان فقال: «والله يا أمير المؤمنين لنُنكحنّه ما شاء، فإن أحب أمسك وإن شاء ترك»، فسرّ ذلك عليا وقال مرتجلا هذا البيت من الشعر:

ولو كنتُ بوّابا على بابِ جَنّةٍ

لَقُلتُ لهمْدانَ ادخلوا بسلامِ

وما دمنا بصدد الزواج والطلاق وما إلى ذلك فلا بأس من أن نروي لكم هذه الواقعة المؤكدة في زمننا هذا الذي نعيشه.

فهناك رجل تزوج امرأة أخرى في السر - والاحتمال أنه (مسيار) - وبعد فترة طويلة أحست به امرأته الأولى إلا أنها قالت في نفسها: «لن أزعجه ولن أنكد عليه»، وتركت الأمور تسير على ما هي عليه، ثم توفي الزوج، وبعد وفاته قالت لأكبر أبنائها: «إن أباك متزوج من أخرى، فخُذ مائة ألف وأعطِها لامرأة أبيك، وقل هذا دفعة من الميراث أصلحوا به شأنكم إلى أن يتم توزيع الإرث»، فلما سأل واستقصى وعرف مكان زوجة أبيه، ذهب إليها وقابلها، فقالت له: «ارجع بالشيك لأمك وبلّغها سلامي وشكري وتقديري لها، فلقد والله طلّقني والدك منذ عام ونصف»، قال: «خذيه لإخوتي إذن»، قالت: «إنني لم أُرزق منه بأولاد، فلا حق لي فيه».

لا أدري أي أعصاب فولاذية تملكها الزوجة الأولى! وأي ضمير صادق تملكه الزوجة الثانية!

ولكن لا شك يقينا أن المرأتين كانتا أفضل بمراحل من ذلك الزوج، أو بمعنى أصحّ، ذلك الرجل (الأرنب)، وما أكثر الرجال الأرانب في هذه الأيام، وحاشا لله أن أكون من زمرتهم.

أعتقد أنني أنتمي إلى زمرة الرجال (الذئاب) - والله أعلم.

[email protected]