وأنت طيب يا راجل يا طيب!

TT

عندما ذهبنا إلى جزيرة بالي سنة 1959 كنت شابا صغيرا ونسيت أن أعرف جيدا لماذا جزيرة بالي. وهي الجزيرة البوذية الوحيدة، فكل الجزر إسلامية (ثلاثة آلاف جزيرة). بمنتهي الصراحة قالوا: إن المرأة تمشي كاشفة صدرها. هذا هو السبب. ولما ذهبنا وركبنا الأتوبيس تظاهرنا بأننا جئنا لجمال الطبيعة ونعومة المرأة وكثرة الأفراح والليالي الملاح واشتراك السائحات في الرقص والغناء والترنح هنا وهناك. وكانت المفاجأة أن المرأة فعلا قد عرت صدرها، ولكنها المرأة العجوز فقط. قانون جديد يحذر على البنات الصغيرات هذا العري في الطريق أو الأماكن العامة.

ومضى نصف قرن على هذه الزيارة. وتغيرت الجزيرة وامتلأت بالفنادق الكبرى وحمامات السباحة والمبيدات الحشرية للقضاء على الناموس، وكان على أيامنا كبيرا لاسعا موجعا.

ولما جاءت الجماعات المتطرفة ونسفت أحد الكباريهات سنة 2002 قالوا في تفسير ذلك إن السياحة الإندونيسية ذهبت إلى بعيد جدا في استدراج الناس إلى مشاهد العري والطبل والزمر. وكنت قد اعتدت على أن أجرب كل شيء. أريد أن أعرف. والذي أعرفه أريد أن أكتب عنه.. يقولون لي: تأكل هذا؟ أقول: نعم.. تشرب هذا؟ أقول: طبعا. تسهر؟ ترقص؟ تغني؟.. موافق على كل شيء، لأنها مادة للكتابة.

في إحدى الليالي كان عرسا ضخما فخما، فقد أقيم للسياح الأميركان وبناء على طلبهم وتكاليفهم. قالوا لي: تجلس إلى جوار العريس وتمسك الشموع؟ قلت: موافق.. تشرب خميرة الموز؟ طبعا. وبعد ذلك لم أعد أعرف ماذا جرى. ولكن بعد ساعة، ويقال بعد ساعتين، من النوم أو من الإغماء. صحوت فلم أجد حولي أحدا. ولما أفقت أكثر لم أجد الجاكت ولا الجزمة. وكان لا بد أن أمشي على قدمي حتى الفندق الذي تظهر أضواؤه الباهرة من بعيد..

وفي اليوم التالي سألت عن الجاكت والجزمة. قالوا: لا داعي لأنها أصبحت من الذكريات الحلوة عند أحد العازفين. من هو؟ لا أحد يعرف، ولا داعي لأن أحاول لأن أحدا لن يعرف. فقد شربوا جميعا خميرة الموز.. وكل موز وأنت طيب يا راجل يا طيب!