الأردن: التغييرات الأخيرة هدفها تعزيز الإصلاح وتجذير الديمقراطية

TT

شهد الشهر الماضي، نوفمبر (تشرين الثاني)، سلسلة تغييرات أردنية شملت الحكومة، التي بقي على رأسها سمير الرفاعي رئيس الوزراء السابق نفسه، كما شملت مجلس الأعيان والنواب. ولقد جاءت كل هذه التغييرات - التي من المنتظر أن تشهدها بعض القطاعات والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية - العليا بمثابة وقفة إنعاشية على طريق الإصلاح الذي كان بدأه العاهل الأردني عبد الله الثاني منذ تسلمه مسؤولياته الدستورية ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية خلفا لوالده الراحل الحسين بن طلال عام 1999.

لقد بدأت سلسلة التغييرات، التي من المتوقع أن تستمر وتشمل قطاعات ومؤسسات رئيسية في غضون أسابيع قليلة مقبلة، بإجراء انتخابات نيابية جديدة بعد حل المجلس (البرلمان) السابق الذي كانت أجريت انتخاباته في عام 2007 التي تعرض إجراؤها للغط كثير تسبب في أن يفقد ثقة الشعب الأردني به، مما استدعى حله وإجراء الانتخابات الأخيرة التي أجريت في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبالنسبة لهذه الانتخابات الأخيرة، فإن ما بات مؤكدا من خلال تقارير المراقبين الدوليين أنها قد اتسمت بالنزاهة والشفافية بحدود معقولة ومقبولة وأنه لم يقاطعها إلا حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يشكل وجه العملة الآخر لجماعة الإخوان المسلمين وحزب الوحدة الشعبية، وأن 16 حزبا من أصل 18 حزبا قد خاضت غمار معركتها وفازت بـ17 مقعدا من مقاعد البرلمان الجديد الـ120؛ من بينها 13 مقعدا جرى تخصيص 12 منها للكوتة النسائية، وفازت سيدة واحدة هي الاقتصادية الشهيرة ريم بدران بالتنافس الحر في الدائرة الثالثة في عمان.

بعد إفراغ صناديق الاقتراع مباشرة وفرزها وولادة المجلس النيابي (البرلمان) السادس عشر صدرت الإرادة الملكية بحل الحكومة السابقة وتكليف رئيسها سمير الرفاعي نفسه بتشكيل حكومة جديدة احتفظ فيها عدد من الوزراء السابقين بمواقعهم وحقائبهم، وهي الحكومة التي من المفترض أن تتقدم لهذا البرلمان الجديد بطلب منحها ثقته، وفقا للنصوص الدستورية، على أساس خطاب العرش الذي ألقاه الملك عبد الله الثاني تحت قبة مجلس الأمة بجناحيه؛ الأعيان والنواب، يوم الأحد الماضي.

بعد ذلك جرى حل مجلس الأعيان، الذي هو بمثابة مجلس الشعب في مصر ومجلس اللوردات في بريطانيا ومجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأميركية، وتشكيل مجلس أعيان جديد من ستين عضوا، أي بزيادة خمسة أعضاء عما كان عليه الوضع في المجلس السابق، وذلك نظرا لأن مجلس النواب (البرلمان) قد ارتفع عدد أعضائه من 108 أعضاء إلى 120 عضوا.

ولإعطاء فكرة عن هذا المجلس، أي مجلس الأعيان، فإنه من الضروري العودة إلى نصوص الدستور الأردني المتعلقة بهذا الشأن والقائلة:

المادة 62: يتألف مجلس الأمة من مجلسين، مجلس الأعيان، ومجلس النواب.

المادة 63: يتألف مجلس الأعيان بما فيه الرئيس من عدد لا يتجاوز نصف عدد مجلس النواب.

المادة 64: يشترط في عضو مجلس الأعيان زيادة على الشروط المعينة في المادة 75 من هذا الدستور أن يكون قد أتم أربعين سنة شمسية من عمره وأن يكون من إحدى الطبقات الآتية: رؤساء الوزراء والوزراء الحاليون والسابقون ومن شغل سابقا مناصب السفراء والوزراء المفوضين ورؤساء مجالس النواب (البرلمان) ورؤساء وقضاة محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف النظامية والشرعية، والضباط المتقاعدون من رتبة أمير لواء فصاعدا، والنواب السابقون الذين انتخبوا للنيابة لا أقل من مرتين ومن ما ثلث هؤلاء من الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن.

المادة 65 - 1: مدة العضوية في مجلس الأعيان أربع سنوات، ويتجدد تعيين الأعضاء كل أربع سنوات، ويجوز إعادة تعيين من انتهت مدته منهم.

2: مدة رئيس مجلس الأعيان سنتان ويجوز إعادة تعيينه.

المادة 66 – 1: يجتمع مجلس الأعيان عند اجتماع مجلس النواب وتكون أدوار الانعقاد واحدة للمجلسين.

2: إذا حُلَّ مجلس النواب تُوقف جلسات مجلس الأعيان.

ربما أن ما يلاحظه المراقبون لمجريات الأمور في الأردن من الخارج أن هناك عدم استقرار طويل، خاصة بالنسبة للحكومات الأخيرة المتلاحقة خلال الفترة منذ فبراير (شباط) عام 1999، حيث تبوأ العاهل الأردني عبد الله الثاني مسؤولية الحكم، تعاقبت على السلطة التنفيذية في البلاد ثماني حكومات؛ هي: حكومة الدكتور فايز الطراونة، وحكومة عبد الرؤوف الروابدة، وحكومة علي أبو الراغب، وحكومة فيصل الفايز (رئيس مجلس النواب الجديد)، وحكومة الدكتور عدنان بدران، وحكومة الدكتور معروف البخيت، وحكومة نادر الذهبي، والحكومة الحالية التي هي حكومة سمير الرفاعي.

والحقيقة أن سرعة التغييرات هذه، التي يجري تشبيهها بما يجري في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، لا تعكس حالة عدم استقرار في الأردن؛ وإنما تعكس واقع أن المجتمع الأردني مجتمع شاب بأغلبيته المطلقة، وأنه يتصف بالحيوية السياسية، وواقع أن الأردنيين ملولون وأنهم لا يتحلون بالروح الرياضية التي تجعلهم يتحملون حكومة ورئيس وزراء ووزراء من المهد إلى اللحد على غرار ما هو متبع في بعض الجمهوريات العربية التي ترفع شعار الديمقراطية عنوانا لها، والتي يبقى فيها الوزير في موقعه لربع قرن وأكثر.

وهكذا، وبالنتيجة، فإنه لا بد من التأكيد على أن الشعب الأردني، الملول بطبعه قد اعتاد مثل هذه التغييرات السريعة، وذلك إلى حد أنه يبادر إلى التساؤل عن موعد رحيل أي حكومة جديدة في اليوم نفسه الذي تتشكل فيه هذه الحكومة الجديدة، وهذا ينطبق على الحكومات السابقة واللاحقة وعلى هذه التي يرأسها سمير الرفاعي التي لم تكمل العام من عمرها، والتي جرت إعادة تشكيلها قبل أيام معدودات قليلة.

والمهم بالنسبة لهذه التغييرات التي تلاحقت والتي شهدها الأردن خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أنها، خلافا لما يعتقده المراقبون من الخارج، لا تشكل حالة عدم استقرار في البلاد على الإطلاق؛ بل إنها تشكل تحولا نحو مزيد من الإصلاح ومزيد من تجذير الديمقراطية.