أنظمة الدفاع الصاروخية ودعم أميركا لتركيا في لشبونة

TT

كانت التوقعات مختلفة قليلا قبل قمة حلف «الناتو» في لشبونة، حيث دارت حول أن أنظمة الدفاع الصاروخية لن تصبح مشروعا خاصا بحلف «الناتو» فقط؛ بل سيتم الإعلان عن بعض تفاصيل نشرها وكيفية عملها. وعلى الرغم من اطلاع الصحافة على بعض التفاصيل الفنية المتعلقة بتلك الأنظمة، فإن هذا لم يشمل أي معلومات عن نشر أجهزة الرادار والصواريخ، أو عن الدول التي من المقرر أن يتم نشرها فيها، أو كيفية عمل آلية التحكم بها، ومن سيكون لديه زر «الإطلاق» في النهاية. كل ما نعرفه حاليا هو انتشار أنظمة الدفاع الصاروخية في الدول الأوروبية الأعضاء في حلف «الناتو» من خلال تعديل الأنظمة الموجودة بالفعل في بعض الدول الأوروبية بحيث تتناسب مع الأنظمة الأميركية بالإضافة إلى بعض الصواريخ الثابتة والمتنقلة في مواقع غير معلومة.

بالطبع الموقف «غير معلوم» لنا فقط، فمن المستحيل أن تكون هناك دول، خاصة تركيا، قد وافقت على نشر «الدرع الصاروخية» دون معرفة نتائجه الفنية. ومن ثم تبين أن تحليلي عن «التعاون المحدود» مع الولايات المتحدة ليس صحيحا أو خاطئا بشكل كامل، فهو لا يزال صالحا، لكنه فقط يشكل طريقة أخرى لتحقيق هذا التعاون. ولا تمانع تركيا في أن تتحكم قوات حلف «الناتو» في الدرع الصاروخية، في حين تحصل على ما تريد في إطار المفهوم الاستراتيجي الذي لا ينظر إلى أي دولة في إطاره باعتبارها تهديدا. وقد بات واضحا الآن أن تركيا سوف تسمح بنشر أجهزة رادار أو الدرع الصاروخية على أراضيها نظرا للتأكيد على «الدفاع الجماعي» و«الأمن التعاوني» مما يعني أن الدرع الصاروخية سوف تحمي جميع الدول الأوروبية المشتركة في حلف «الناتو» من أي عدو يمتلك صواريخ باليستية. ما تبغيه تركيا حاليا هو أن تكون الدرع الصاروخية ثابتة لا متنقلة وأن لا تدفع تكلفته.

ما استشرفته كان حصول تركيا على دعم أميركي في سعيها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي خلال القمة الأوروبية - الأميركية في حالة عدم إثارة مشكلة بشأن تحكم حلف «الناتو» في الدرع الصاروخية وإن رفضت نشره على أراضيها. ونظرا لعدم الإعلان حتى الآن عن الدول التي ستسمح بنشر الدرع الصاروخية على أراضيها وآليات التحكم، لا يسعنا سوى التكهن بالعلاقة بين هذين الموضوعين. وما نعرفه حقا هو دعم الولايات المتحدة لتركيا في سعيها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي وفي هيكل السياسة الخارجية الأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي.

فلنبدأ بالسياسة الخارجية الأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي.. المفهوم الاستراتيجي الذي نصت عليه المادة 32 بوضوح، التي تقول برغبة حلف «الناتو» (تحديدا الولايات المتحدة) من الاتحاد الأوروبي هو إشراك تركيا في آليات صنع القرار في السياسة الخارجية الأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي من خلال كلمات قوية: «نرحب بتطبيق معاهدة لشبونة التي تقدم إطارا لدعم قدرات الاتحاد الأوروبي في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة. وقد ساهم الحلفاء الذين ليسوا أعضاء في الاتحاد الأوروبي في تلك الجهود بشكل كبير، لذا مشاركتهم في هذه الجهود ضرورية من أجل تحقيق الشراكة الاستراتيجية بين قوات حلف (الناتو) والاتحاد الأوروبي». وتعد هذه رسالة واضحة من واشنطن.

فضلا عن ذلك، أكدت الولايات المتحدة دعمها الواضح لتركيا خلال القمة الأوروبية - الأميركية، فعندما كنت أتلقى معلومات بشأن تطورات أساسية مهمة من مسؤول أميركي وآخر بريطاني خلال القمة، نما إلى علمي أن القضية التركية قد حظيت بالاهتمام أثناء المحادثات. وقد قال الرئيس باراك أوباما إن عضوية تركيا لن تقوي فقط مؤسسات الاتحاد الأوروبي الموجودة بالفعل؛ بل ستساعد أيضا في بناء أسس مستقبل أوروبا التي تحتاج إلى الأمن والسلام في ظل كل هذا التنوع الثقافي والعرقي والديني فيها. تعتقد الولايات المتحدة أن تركيا هي مفتاح نشر الديمقراطية والحرية والقيم الأوروبية في أرجاء القارة وتوسيع أسس الاتحاد الأوروبي. وقد قال أوباما في مقابلة مع صحيفة «لا روبوبليكا» الإيطالية: «في هذه الأيام التي تشهد تعثر المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، أهيب بالطرفين وأحثهما على مضاعفة جهودهما من أجل استمرار العملية».

وأخيرا أوضحت الولايات المتحدة مرة أخرى دعمها غير المباشر لتركيا من خلال حلف «الناتو» وبشكل مباشر من خلال القمة الأوروبية - الأميركية. إن كان عليّ التكهن، فسأقول إن ثمن هذا سيتم الكشف عنه قريبا مع الكشف عن تفاصيل أنظمة الدرع الصاروخية.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية