الحلم القديم.. والجدار الجديد!

TT

الحديث الجديد عن «يهودية» دولة إسرائيل ليس بغريب، ولكنه اللعب على الكلمات باحتراف وامتياز؛ فإسرائيل عندما أطلقت مشروعها الكبير على لسان ثيودور هيرتزل، صاحب فكرة الوطن الصهيوني لليهود، وهي الفكرة التي أطلقها في المؤتمر الشهير لليهود على الأراضي السويسرية، كانت الكلمة التي يتم الترويج لها هي الصهيونية، باعتبارها فكرة سياسية واجتماعية ورومانسية هدفها جمع شتات اليهود حول العالم من ظلم الأنظمة المختلفة لهم، ولكن ما يحدث اليوم من طلبات تعجيزية من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وإصراره على اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل قبل استئناف المفاوضات ووقف الاستيطان هو تأكيد لفكرة «إيرتز يسرائيل» أو إسرائيل الكبرى.

فالسلطة الفلسطينية اعترفت بحق إسرائيل في الوجود واعترفت بها كدولة بحسب اتفاق أوسلو عام 1993، إذن المطالبة الإذعانية الإضافية هي شرط تعجيزي ليس أكثر، غايته إخراج المليوني عربي من خارج دولة إسرائيل. ونتنياهو بفعلته الخبيثة هذه يدين بولائه للأب الروحي لليمين المتطرف والليكود، وهو زييف جابوتنسكي، المولود عام 1880 في أوديسه؛ لأنه كان يعتقد أن إسرائيل الجديدة يجب أن تشمل ضفتي نهر الأردن، ولتحقيق هذا الهدف لا بد من أن يكون هناك جدار فولاذي.. نعم فكرة الجدار مولودة منذ وقت قديم. وأضاف جابوتنسكي في عام 1923: «كل شعب سيقاوم القادمين الدخلاء طالما رأوا الأمل في الخلاص منهم ومن خطر الاستيطان الخارجي، هكذا سيتصرف العرب طالما كانت لديهم القناعة في منع فلسطين من أن تكون إسرائيل». وكان مقتنعا بأن مسيرة الاستعمار ستنجح فقط إذا تم تحويل الحالة الذهنية للسكان الأصليين، وذلك بأن يطبق الاستيطان بمبدأ القوة وبحمايتها بالقوة خلف جدار فولاذي، لن يتمكنوا من اختراقه.

في عام 2000 كتب آفي شليم، أحد أهم المؤرخين الجدد في إسرائيل، كتابا قاسيا يستوحي عنوانه من فكرة الجدار الفولاذي، وثبت أن الأحزاب الإسرائيلية كلها تبنت فكرة الجدار الفولاذي وأن فكرة أن إسرائيل تقدم الكثير للسلام (التي يتبناها الساسة والمفكرون في الغرب) هي فكرة خاطئة، ويقدم الدليل تلو الآخر على ذلك مع المصريين والسوريين واللبنانيين، وطبعا مع الفلسطينيين، وتحديدا في أيام بن غوريون الأولى ومناحم بيغن، والآن مع نتنياهو. وقد يكون من المهم جدا واللافت جدا التذكير بتصريح لبن غوريون، مؤسس إسرائيل الحديثة، يقول فيه: «السلام بالنسبة إلينا هو وسيلة، والهدف هو التحقيق الكامل للصهيونية، وذلك بعد خنوع العرب الكامل ويكون ذلك في إسرائيل الكبرى».

اليوم، وعبر تقديم وعود «صوتية» للإدارة الأميركية، وفي الوقت نفسه يستمر نتنياهو في مشروعه الاستيطاني وفي الوقت ذاته يطلب شروطا تعجيزية من الفلسطينيين! فور وقف المباحثات مع الفلسطينيين وفي اليوم نفسه أمر ببناء 200 وحدة استيطانية في القدس الشرقية، والعجيب والغريب أن فكرة الجدار الفولاذي لا تتعارض أبدا مع مشروع خارطة الطريق المقدمة من جماعة المحافظين الجدد إبان حقبة جورج بوش الابن، وفيها الفقرة «السامة» أن التسوية النهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ستأخذ في الاعتبار «الأمر الواقع على الأرض» حتى لو كان ذلك يعني، بترجمة واقعية، أنه لا مكان حقيقيا لقيام دولة فلسطينية على الأرض!

إسرائيل مستمرة في مشروعها الاستيطاني وفي احتلالها للأراضي وفي توسعة برنامجها النووي وفي تحدي القرارات الدولية والعالم يرفض المواجهة والمعاقبة لها!

[email protected]