حينما وبخنا الكوري!

TT

حضرت ندوة حافلة استضافها مركز الأهرام للدراسات بالقاهرة، عن التجربة الكورية، بحضور مميز لمتحدثين متنوعين من كوريا الجنوبية، من شتى الاختصاصات، إعلام، صناعة، طاقة نووية، تعليم، سياسة، تكنولوجيا.. وسفراء.

الغرض كان التواصل بين العالم العربي والنمر الآسيوي المهيب: كوريا الجنوبية. وترويج النموذج الكوري في العالم العربي وشرح التجربة التي أذهلت العالم ونقلت هذا البلد، في عقود وجيزة من عمر الزمن، إلى موضع ثقل صناعي واقتصادي في العالم.

تحدث الكوريون وأفادوا، والعرب وأفادوا، وكم كان مبهجا، على سبيل المثال، مساهمة مثل مساهمة الدكتور جابر عوض، وهو باحث مصري مختص بالدارسات عن آسيا، بالذات تجربة كوريا الجنوبية، ويرأس قسم الدراسات الآسيوية قي جامعة القاهرة، حين استعرض لنا مجموعة من الكتب والدراسات التي ألفها أو ترجمها باحثون مصريون عن كوريا الجنوبية.

القاعة التي احتضنت الجلسات طيلة اليوم، استقبلت مجموعة من الطلاب المصريين المتحمسين من جامعة عين شمس، وقد حياهم العريف الكوري بحرارة، وسبب ذلك أن هؤلاء الطلاب هم ثلة من الجيل المصري الجديد الذي يدرس اللغة والثقافة الكورية كاختصاص.

من أكثر التعليقات إثارة حديث الأستاذ جون غمين سو، أو الدكتور (أمير) كما يحب أن يعرف بنفسه للعرب والمصريين، هو مستعرب كوري، يتحدث العربية بطلاقة، ويلقي «الإفيهات» المصرية، كما أنه رئيس قسم دارسات عن الشرق الأوسط في العاصمة الكورية.

قال الدكتور أمير: «يحيرني العرب، كلما سألت أحدا منهم: لماذا لا تحققون نهضة تنموية واقتصادية ناجحة رغم توفر الأدوات؟ يجيب كثير منهم، وبشكل مستمر أسمعه منذ عرفت العرب: الأعداء لا يريدون لنا التقدم، هناك أعداء كثيرون».

كان حديثه صريحا ومباشرا، وفيه لمحة عتاب صادق وناصح.

آخر اليوم كنت أود من الحضور والباحثين أن يتم الجواب عن سؤال المستعرب الكوري الوجيه هذا، سؤاله أثار لدي خواطر قريبة، منها، أن عمر الحرب «الخطرة» بين كوريا الجنوبية والشمالية، هو من عمر الحرب بين العرب وإسرائيل، تقريبا، فنكبة فلسطين كانت 1948، وقد قسمت الجزيرة الكورية عقب الحرب العالمية الثانية 1945، ثم قامت حكومتان في الشمال والجنوب، الشمال كان مع العالم الشيوعي والجنوب كان مع العالم الرأسمالي، واندلعت الحرب الكورية عام 1950، وما زالت فصولها تتوالى بشكل متقطع، وآخرها ما جرى مؤخرا من قصف شمالي على الجنوب، وتهديد الشمال بإشعال البحر إذا ما تم المس بها.

ورغم هذا الصراع المعقد، فإنه لم يؤثر على مسار التنمية والنجاح الكبير.

كيف جرى هذا عندهم، واستطاعوا هذا الفصل، ولم يجر هذا عندنا؟!

أدرك أن لكل حالة خصوصيتها ولكل صراع ملابساته الخاصة... لكن يبقى السؤال قائما.

أمر آخر، نجاح التنمية الاقتصادية عندهم لم يكن مشروطا أو مسبوقا بوجود تنمية سياسية (ديمقراطية) ككثير من النماذج الآسيوية الأخرى، وهو الذي يطرح السؤال الكبير: أيهما أولا، نجاح اقتصادي وتنموي معين ثم بعد ذلك تنمية سياسية، أم العكس، تنمية سياسية ومشاركة شعبية ثم هي التي تجلب التنمية الاقتصادية.

القطرة الأخيرة من كأس هذه التجربة هي أنه بمقدورنا أن ننجح ونحقق تنمية مغرية، حتى ونحن لدينا أعداء، حتى ونحن لدينا خصوصيتنا الحضارية والثقافية.

التنمية تتطلب فقط أن تكون لدينا: رؤية، ثم إرادة، ثم قدرة على التنفيذ... لا مستحيل.

[email protected]