الفرنسيون والنساء

TT

النقد الذي وجهه تقرير حقوق الإنسان لظاهرة تعنيف النساء في فرنسا يفرض علينا تسجيل مجموعة من الملاحظات التي نراها تنطوي على تساؤلات جديرة بالطرح أو على الأقل بالإشارة.

لعل أول نقطة تتمثل في أن ظاهرة النساء المعنفات موجودة في بلدان تنتمي إلى العالم المتقدم تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى العالم المتخلف. وتسجل مسألة ضرب النساء في أوروبا الشمالية منها والجنوبية نقطة سوداء في ملفات هده المجتمعات الموصوفة بالمتقدمة.

وأن تكون فرنسا بلد الثورة الفرنسية والحركات الأدبية والفكرية التي هزت العالم بمختلف مشاربه وثقافاته وأثرت فيه، من البلدان التي لا تزال تعاني من ظاهرة تعد مظهرا من مظاهر التخلف الثقافي والاجتماعي فإن ذلك أمر يبعث على الحيرة ويجعلنا نعاين واقع المرأة في البلدان العربية الموصوفة بالمتخلفة أو تلك التي تنتمي إلى العالم الثالث بتنسيب ومرونة.

وإن نسجل هذه الحيرة فإن ذلك لا يعني أننا نغفل الخلفية التاريخية والاجتماعية للمجتمعات الأوروبية التي من خصائصها العراقة والسلطة الأبوية. فهي عاشت على امتداد تاريخها كمجتمعات ذكورية بالأساس ورغم كل ما حققته من ثورة صناعية وعلمية فإن بعض ملامح تلك الذكورية ظلت مستمرة، مما يؤكد حقيقة صعوبة تجاوز ما هو ثقافي ومتغلغل في الذهنيات.

وأتذكر أنه في الانتخابات الفرنسية الماضية ومن خلال ريبورتاج بثته قناة «فرنسا 2» كيف أن امرأة فرنسية متقدمة في السن عندما سئلت أيهما تفضل رئيسا لفرنسا ساركوزي أم سيغولين رويال فإن تلك المرأة أبدت رفضا لمسألة أن تحكم فرنسا امرأة قائلة ما مفاده إن البيت يحكمه رجل وليس امرأة.

قد يبدو ما سردته غير مطابق لموضوع المقال ظاهريا ولكن في حقيقة الأمر هذا المثال وغيره يعد مؤشرا تُقاس من خلاله ذهنيات المجتمع وتصوراته واستنادا إليها نستطيع أن نحدد طبيعة التقدم الإنساني الذي أحرزه أي مجتمع.

لذلك فإننا نلاحظ أنه أينما ولينا وجوهنا شرقا أو غربا فإن العلاقة بالمرأة نجدها المحدد الأول والأساسي للتقدم.

وإذا كانت هيئة الأمم المتحدة تعتبر مشاركة المرأة السياسية وفي مواقع القرار مؤشرا من مؤشرات التنمية فإنه على المستوى الحقوقي تبدو ظاهرة تعنيف النساء واستعمال الرجل القوة ضدها مؤشرا من مؤشرات التعثر العميق في مجال حقوق الإنسان والتنمية الشاملة ونقيصة كبرى من خلالها تُصاب صفة المتقدمة بشرخ لا يندمل سوى باضمحلال الظاهرة ذاتها. وتشير آخر دراسة أجريت في عام 2006 حول جرائم الاغتصاب في أوروبا إلى أن فرنسا تحتل المرتبة الـ16 بأقل من عشر حالات اغتصاب لكل 10 آلاف نسمة. وبالنظر في تصريح رئيسة «اتحاد الجمعيات الفرنسية ضد الاغتصاب» إيمانويل بيت التي قالت لقناة «فرنسا 24» إن 90 في المائة من النساء الفرنسيات اللواتي يتعرضن للاغتصاب لا يرفعن قضايا ضد مغتصبيهن وإنه بحسب أرقام الشرطة 12 ألف امرأة فقط رفعن قضايا متعلقة بالاغتصاب ويرتفع العدد إلى 75 ألف حالة اغتصاب استنادا إلى تحقيقات وشهادات الضحايا فإننا نستنتج ظاهرة أخرى لا تقل خطورة مفادها أن أكثر من ثلاثة أرباع النساء المغتصبات في فرنسا يسكتن عن حقهن مما يُظهر جانب السلبية والرضوخ لسلطة الرجل حتى ولو كان مغتصبا! وفي هذا السياق لا نستطيع أن نقلل من وزن التفسير المادي ذلك أن تفاقم المصاعب الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة أدت إلى المزيد من التوتر الاجتماعي الذي يعبر عن نفسه بامتياز في علاقة الرجل بالمرأة.

من جهة أخرى لا أدري مدى وجاهة القول إن المجتمعات التي عُرفت بشغفها بالأدب والتي ظهرت فيها نخبة من الأدباء والشعراء هي مجتمعات تعاني المرأة فيها من مشكلات تمثل بدورها أمارات التخلف الكبرى. بينما المجتمعات التي شهد فيها الفكر أولوية خاصة والفلسفة بما تعنيه من نقد وشك فإنها أقل إصابة بظاهرة تعنيف النساء باعتبار أن فعل الحداثة قد تغلغل أكثر في التربة الذهنية والاجتماعية ويبقى طبعا مثل هذا التخمين غير المراقب علميا في حاجة إلى التدليل عليه.