عالم ما بعد الوثائق

TT

مثلما بات معروفا، ومقبولا، القول إننا نعيش في عالم ما بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية في أميركا، فبإمكاننا القول اليوم إننا نعيش في عالم ما بعد وثائق «ويكيليكس». فمثلما أن العلاقات الدولية وترتيب الأولويات قد تغيرت بعد حادثة تدمير برجي مبنى التجارة العالمي في نيويورك، فإن العالم سيتغير اليوم بعد نشر وثائق «ويكيليكس».

فمن يقرأ الوثائق نفسها من موقع «ويكيليكس»، دون اجتزاء أو تحريف بالطبع، سيدرك أن العالم سيتغير بعدها لا محالة، سواء دبلوماسيا، أو سياسيا. وحتى الكذب ستكون له آلية أخرى، ليس عربيا، بل وعلى صعيد دولي. فحقا نحن اليوم في عالم ما بعد الوثائق. فليس المقصود أن لا أحد سيثق بالأميركيين فقط، بل وفي أي دبلوماسي آخر. فالوثائق جعلت اللعب اليوم على المكشوف بالنسبة للجميع.

في البرقيات المسربة ترى كيف تنظر أميركا لحلفائها في العالم كله، شخوصا وسياسات، ومن الذي تعتقد واشنطن أنه الحاكم الفعلي في بلاده، وكيف تكتشف أميركا جيدا عملية توزيع الأدوار في المؤسسات الحاكمة، وبشكل جيد. كما تكشف الوثائق كيف تنظر واشنطن لحلفائها وخصومها بلا رتوش، أو محسنات، خصوصا أن الوثائق ليست كلها حقائق بقدر ما أن كثيرا منها عبارة عن مزيج من انطباعات وتحليل مبني على معلومات متداولة أو خاصة، وحتى ما هو منشور في الصحف؛ حيث تقوم بإرسالها السفارات الأميركية في العالم كله، وتجد برقية موجهة لمسؤول أميركي ينوي زيارة دولة ما وتبدأ بالقول: «السيد فلان.. نرحب بزيارتك.. وسيكون لقاؤك بالمسؤول...» ثم سرد عن أوضاع البلد، وشخصية المسؤول، وهكذا.

وبعضها بالطبع نقل ورصد لما يقال في المباحثات والاجتماعات. وبالتالي فقد بات الأميركيون وحلفاؤهم، وكذلك خصومهم، يلعبون اليوم على المكشوف، ويعرفون آراء بعضهم البعض، كما أن العرب اكتشفوا أن الجدار مثقوب وسمع كل منهم ما قالوه بحق بعضهم البعض؛ لذا، فإن اللعب اليوم قد بات على المكشوف، وكل يعرف رأي الآخر فيه بلا محسنات أو مواربة. والأمر نفسه ينطبق على علاقة العرب بكل من إيران وباكستان وأفغانستان، فلا مجال للمجاملات الزائدة الآن.

وبالطبع فلن يكون عالم السياسة اليوم أكثر مثالية ووضوحا بقدر ما سيكون أكثر تعقيدا، وانغلاقا؛ حيث بات على الجميع الآن تطوير آلية عمل جديدة في عالم مجنون لم يعد يضمن السرية، وهذا هو التحدي الحقيقي لعالم ما بعد «ويكيليكس».

أجمل ما سمعته تعليقا على تسريب الوثائق هو ما قاله لي دبلوماسي عربي عندما سألته عمَّا سوف يترتب عليه التسريب عربيا؛ حيث رد ضاحكا: «الجميع متضرر.. لذا سيبدون عقلانية في ردود فعلهم، فلا مجال للمزايدة. فلا أحد يعلم إلى أين ستصل الأمور»! وهذا صحيح، وأيضا دليل على أننا بتنا نعيش في عالم ما بعد فضائح «ويكيليكس».

[email protected]