الكويت.. أزمة حصانة

TT

في الكويت أزمة بين الحكومة والبرلمان، ما الجديد؟ فمنذ 5 سنوات والأزمات لم تتوقف بين الحكومة والبرلمان بالكويت، مما أدى إلى حل وتشكيل خمس حكومات وانتخاب ثلاثة برلمانات. ككويتي وكاتب أرى أن الحكومة وراء هذه الأزمة الجديدة مثلما أعتقد اعتقادا جازما أنها وراء معظم الأزمات السابقة، والسبب أخطاؤها غالبا، وترددها وضعفها في إدارة باقي الأزمات في الأحيان الأخرى.

الأزمة الجديدة - حسب قناعتي - سببها الملاحقة الحكومية لخصومها بمحاولة استخدام القضاء الكويتي الذي عرف باستقلاليته وعدله، خصوصا بالمقارنة مع بعض مؤسسات قضائنا العربي المحيط. هذه الملاحقة قادت إلى سجن الكاتب محمد عبد القادر الجاسم، وتحاول رفع الحصانة عن النائب فيصل المسلم؛ لأنه استجوب رئيس الوزراء لأول مرة في تاريخ الحياة البرلمانية. الاستجواب اعتبر صفحة متطورة في تاريخ مسيرة الديمقراطية الكويتية، لكن ملاحقة النائب المستجوب أفسدت تلك الصفحة «الفرحة». فمن ضمن الجدل البرلماني الذي قاد للاستجواب هو إظهار النائب شيكا بمبلغ يعادل 600 ألف دولار من رئيس الوزراء لنائب سابق، مما أدخله في شبهة المال السياسي. الكشف عن شيكات مصرفية يعتبر جريمة بالقانون الكويتي، لكن الدستور الكويتي يمنح حصانة للنائب تمنع مساءلته عما يقول تحت قبة البرلمان، لكن الحكومة فسرت الكشف عن الشيك بأنه عمل وليس بقول، بينما رأى معارضوها أن العمل جاء للتدليل على صدق القول. ومن هنا بدأت المشكلة: الحكومة - ممثلة بالنيابة - تطلب رفع حصانة النائب تمهيدا لمحاكمته، وغالبية النواب ضد رفعها؛ لأنه مخالفة دستورية.

الحصانة البرلمانية بمفهومها العام هي عدم مساءلة النائب إلا بالقبض عليه بالجرم المشهود، وهي مشتقة من «حصن»، ومعناها أصبح منيعا، ومنها الحصون المنيعة التي كانت تبنى حول المدن قديما لحمايتها من الغزاة، ومنها كلمة الحصان - ذكر الخيل - وسمي كذلك لأنه يحصن فارسه من الطعان وقت الحروب، الحصان من الحيوانات التي ملأت التراث العربي وتغنى العرب بها وبحبها وتباهوا باقتناء أفضلها، ومدحوا الرجل بتشبيهه بها، فيقال «فلان حصان» كناية عن قوته ومكانته. ويشبه اللسان بالحصان، فيقال: «لسانك حصانك، إن صنته صانك». وهو مثل كثيرا ما يردده خصوم النائب الكويتي المطلوب رفع الحصانة عنه.

ويربط العرب الموت بالترجل عن الحصان – الحياة - ففي كتابات الرثاء غالبا ما نقرأ «ترجل الفارس عن صهوة جواده». وللشاعر الراحل محمود درويش قصيدة شهيرة اسمها «سقط الحصان عن القصيدة».

وعلى العكس من الحصان، اشتق أبو الحصين، وهو أحد أسماء الثعلب؛ لأنه يتحصن من الأخطار، ويسمى بلهجة أهل الخليج «الحصني»، ويسمى الواحد «حصني» كناية عن الذكاء والقدرة على المراوغة. ومن الأساطير الشعبية في الصحراء العربية أن الحصني يلقح أنثى العقاب من الطير!!

والمرأة المحصنة هي المتزوجة، ووردت في القرآن الكريم ثلاث مرات تصف النساء المتزوجات: «فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ». كما أن المحصن هو الرجل المتزوج، على اعتبار أنه مرتبط لا يمكن أن يعاشر غيرها أو هكذا يفترض.

والحرائر في الماضي محصنات، وهن بذلك على عكس الإماء حين كان التمييز موجودا بين الفريقين: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ». والعفائف غير الزانيات: «مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ».

في الكويت اليوم تجمهر نيابي لأكثر من نصف النواب الخمسين، ومطلبهم واحد: تسحب الحكومة طلبها برفع الحصانة عن النائب، وإلا: الخيارات تفاوتت بين استقالة جماعية واعتصامات برلمانية.

على الرغم من مشهد الأزمة، فإنني أظن أنها ستؤول لتعزيز الديمقراطية الكويتية، وستسجل لصالح مسيرتها التي قاربت نصف قرن منذ إعلان الدستور عام 1962.