عن كاتبة من أفريقيا

TT

أصغيت على إذاعة «فرنسا الدولية» إلى مقابلة بين مضيفة فرنسية وضيفة من أفريقيا. هذا كل ما عرفته عن الضيفة، فلم أستطع أن أتبين اسمها أو اسم بلدها؛ لأن الاسمين لفظتهما المضيفة. والمضيفة كانت تتحدث وكأنها تتكلم من جوارب نايلون أو على خشبة رقص، فلم أفهم مما قالته شيئا.

أما الضيفة التي كانت تتحدث باللكنة الأفريقية الطاغية، وبلغة فرنسية بسيطة ومحدودة جدا، فكانت كأنها تشدو؛ لذلك أوقفت سيارتي إلى جانب الطريق (وليس في منتصفه، كما تقضي التقاليد والوجاهات اللبنانية) ورحت أدون ما استطعت من تغاريد هذه المخلوقة البهية. قالت، لذات اللفظ النايلون: «لم أتعلم كتابة المسرحيات من موليير.. أنا نزلت إلى ساحات القرى وسمعت حوارات الأطفال ونقلت عنها. كنا نذهب إلى الساحات وتكثر علينا العصافير. أسراب أسراب. فماذا نفعل لكي نطردها؟ نغني. ونظل نغني. مومباي. مومباي». وراحت تردد، بصوت شجي، ولفظ واضح: «مومباياي، مومباياي». وأنا واقف إلى جانب الطريق أصغي وأدون. إخوتي اللبنانيون يمرون بي، مندهشين لهذا المشهد غير المألوف، وأكاد أقول: غير المقبول، رجل يركن سيارته إلى جانب الطريق بدلا من وسطه. ويدون. ماذا تراه يدون؟!».

كان يدون أن أهل الغابات والأدغال يبعدون العصافير بالغناء لا بالرصاص. وأنا، أول ما أصل إلى قريتي عند الفجر، بدلا من أن تطالعني نايات الطيور، تطالعني أصوات البواريد تطلق عليها النار. لكل عصفور في قريتي عشرة صيادين. والعصفور في حجم الفراشة، وفي ألوانها، وأحيانا أبهى.

قالت الكاتبة المسرحية الأفريقية لمضيفتها مرتخية اللسان، إنها استوحت الكثير من شخصية مريام ماكيبا «ماما أفريقيا»، أو «أم كلثوم» القارة. وذكرني ذلك بسر صغير، لا يعني أحدا سواي. أنا أيضا استوحيت من شخصية مريام ماكيبا شخصية بطلة «بائع الفستق» في الثمانينات. أردت لصاحب الدور الرئيسي، وهو شخص حقيقي، زوجة أفريقية مليئة بالحنان وفائضة بالأفرقة، فاستعرت من مريام ماكيبا. طالما أحببت الإيقاع الأفريقي، ومن الأغاني التي أعود إلى سماعها، مزاجا بعد مزاج، وفرحا بعد حنين، أغنية الكاريبي هاري بيللافونتي «أجزيرتي التي في الشمس، أعطيت لي بسواعد آبائي». ومن المشاهير ممن التقيت في هذه المهنة السعيدة، كان هاري بيللافونتي، الذي جاء يغني «آه، جزيرتي التي في الشمس» لاستقلال كينيا، الجنة التي لوثها الاستقلاليون.