هواجس أهل الخليج

TT

بعد غد الاثنين سوف يلتئم عقد القمة الحادية والثلاثون لمجلس التعاون الخليجي في العاصمة الإماراتية أبوظبي، مكان ما انطلقت منه أول مرة، قبل نيف وثلاثين عاما، المكان نفس المكان ولكن الزمان اختلف، وكذلك قضايا الزمان وأولوياته. في مثل هذه المناسبة يتطلع أهل الخليج إلى ما حقق وما لم يحقق من آمالهم في المجلس العتيد، وتتعدد الرؤى وتعاد الحسابات وتظهر مخاوف جديدة وتتبلور آمال أكثر طموحا.

من الضيم أن يقال إن مسيرة المجلس في هذه الفترة الطويلة نسبيا من الزمن لم تحقق شيئا يذكر، ولكن في نفس الوقت، من باب خداع النفس، القول إنه حقق الطموحات الكبيرة التي ارتبطت بمولده ومسيرته. فقطار التعاون في الخليج يسرع من محطة إلى أخرى في أوقات، ويبطئ الحركة حتى يكاد المرء يخاله قد توقف في أوقات أخرى. أسرع في لم الشمل في الكثير من الأمور الجانبية، حيث ليس فيها ما يختلف عليه كثيرا، وما اختلف عليه في الأمور الأكثر تعقيدا أعيد مرة أخرى إلى طاولة النقاش، وتم الاتفاق عليه والجردة طويلة. إلا أن ما يأخذه المتابع على مسيرة هذا القطار بطؤه، في زمن أصبح الوقت له ثمن، وفي مرحلة لم تعد تحتمل الاختلاف على القضايا الرئيسية أو تتجاهل أهمية العصبة الأكبر في زمن التكتلات.

هناك ظواهر يمكن الآن تحديدها في المسيرة، أولها أن المجلس لم يتأخر في اتخاذ قرار السير بسرعتين، فعدد من الموضوعات المتفق عليها بين دولتين أو أكثر بدأ تطبيقها بينهم، بانتظار أن تلحق الدول الأخرى - بسبب ظروفها - بالمسيرة، حتى لا يضيع الوقت بانتظار التوافق الكامل، وهذا تجاوز للمجاملات وهو أمر يحسب بإيجابية إلى مرونة اتفاق المجلس وقدرته على الأخذ بما تراه بعض دوله أنه مهم. وثاني تلك الظواهر أنه استطاع في عدد من الأمور أن يفاوض الآخرين بصورة جماعية في بعض القضايا التي تهم شعوبه. وثالثا، تحققت خطوات اقتصادية هامة، منها السير في خطوات تجاه سوق مشتركة وتحقق بالفعل توحيد الضريبة الجمركية. واتخذت خطوات لإقامة هيئة نقدية توحد العملة في وقت ما من المستقبل.

يقول لنا ديورانت مؤلف السفر الضخم، وهو «قصة الحضارة»، إن المدنية تحققها الأقوام التي تتكيف ويمكنها أن تدخر من أيام يسرها إلى أيام عسرها. هذا بالضبط ما تواجهه قمة التعاون بعد غد، المشكلة الاقتصادية، وإن بدت أنها ليست ذات أولوية.

فليس سرا أن الأزمة المالية العالمية قد تركت آثارا مدمرة على اقتصاد دول الخليج، وما زالت تفعل، وعولجت الأزمة حتى الآن بشكل فردي في الغالب، كل دولة على حدة، في الوقت الذي كان يجب أن تعالج بشكل جماعي. بعض دول الخليج مرت بالأزمة بقليل من الخسائر وبعضها بالكثير منها، إلا أن الخسائر في كل مكان. الخسائر من هذه الأزمة في الخليج لا تتمثل فقط في عجز عن سداد الديون المليارية المتراكمة، ولكنها أيضا تظهر في انخفاض حاد في البورصات المختلفة، والتي كلفت قطاعا واسعا من المواطنين جل مدخراتهم، وأيضا في إفلاس عدد من الشركات الكبرى والمتوسطة، وسرحت تلك الشركات بدورها موظفيها وكثير منهم مواطنون، كما انهارت سوق العقار، وهو مملوك إما لشركات أو أفراد كان يعول عليه في دخلهم. عدا الآثار غير الاقتصادية، وهي التأثيرات السلبية في القطاع الاجتماعي، منها البطالة السافرة، حيث ظهرت أرقام مقلقة لأول مرة في بعض دول الخليج تتحدث عن البطالة وفقدان البعض لوظائفهم أو ضيق سوق التوظيف المحتمل.

هذه الآثار تحتاج إلى معالجة، ليس فقط في كل دولة على حدة، ولكن لو تم معالجتها على نطاق دول المجلس بتفعيل آليات التنشيط الاقتصادي البيني، لكان بالمستطاع تخفيف الآثار السلبية على قطاع واسع من المجتمع.

تآكل الطبقة الوسطى في الخليج يقودنا إلى المعضلة الثانية وهي اتساع رقعة التشدد والإرهاب الذي تواجهه دول الخليج. وهو تشدد يستعمل العنف وله منبعان، فكري، وأيضا اقتصادي، ولا يجوز تجاهل هذين المنبعين لأن مصبهما واحد هو تكثيف أشكال الإرهاب الذي يستنزف المجتمعات من جهة، ويفتح أبواب التدخل الخارجي على مصراعيها من جهة أخرى.

في الآونة الأخيرة لا تخلو عناوين الصحف في الخليج من اكتشاف زمر جديدة فاعلة أو نائمة تخطط أو تقوم بعمليات إرهابية. من هنا فإن النظر في المكون الثقافي الذي تشترك في بنائه مؤسسات التعليم ومؤسسات الإعلام، والذي يرفع حالة التوتر في المجتمعات الخليجية قاطبة إلى درجة التسخين، النظر إليه جماعيا من أجل الحد من الآثار السلبية للتثقيف الخاطئ، يجاوره بالطبع خطوات تخفيف المعاناة الاقتصادية على الطبقة الوسطى، وأبناؤها حطب النار في التشدد، تجفف المنابع ومن ثم تخلق وسائل دخل للمجتمع تخدمها السوق الأكبر على امتداد الخليج ويضرها الانحباس في سوق صغيرة محدودة.

في المجال الثالث بعد الاقتصاد والإرهاب يجب عدم تشتيت الانتباه عن التحدي الآخر وهو الجوار، فهناك اضطراب واضح في دول الجوار من اليمن جنوبا إلى إيران غربا إلى العراق شمالا، وهي دول تحيط بمجلس التعاون إحاطة المحبس بالإصبع. الانتباه إلى هذا التحدي ورسم سياسة موحدة تجاه احتمالات الاضطراب في تلك المناطق واحتمال فيضها على دول الجوار الخليجي من أولويات الحافظ على أمن الخليج الداخلي. ولا يخفى أن دول الخليج قد أصاب بعضها بعض الرشاش من تلك الاضطرابات، وقد يتحول الرشاش إلى موج،

من يدري؟