قناع أفريقيا

TT

يذهب كتاب في. إس. نايبول (نوبل 2001) الجديد «قناع أفريقيا» إلى ما وراء ذلك القناع. يعود الكاتب الهندي إلى أفريقيا التي عرفها في الستينات، فيجدها لا تزال غارقة في الخرافة و«السحر الأسود». شعوب تؤمن أن «الأرواح» تنشر المرض، وليست الجراثيم. والعسكري الكونغولي يؤمن بأنه إذا قُتل سوف يتحول مؤقتا إلى شجرة ثم يعود إلى الحياة من جديد. عبثا حاول الأوروبيون إقناع الأفارقة بالذهاب إلى الأطباء، بدلا من السحرة. يلتقي نايبول امرأة في شرق أوغندا، تروي له أن جدتها وضعت توأمين ما لبثا أن توفيا، فكان على العائلة دفنهما بطريقة خاصة: يوضعان في إناءين تحت خيمة حماية من الشمس. وكانت الجدة تذهب إلى هناك كل عام للعناية بالخيمة، ومعها طعام للتوأمين، كما كانت تؤدي رقصات خاصة. وبعد فترة اعتنقت الجدة المسيحية، لكنها ظلت تخشى إن هي لم تكرر الطقوس نفسها أن يقوم التوأمان خلسة بخنقها وهي نائمة.

وسط هذا المناخ تزدهر صناعة السحر و«إبعاد الأرواح الشريرة». ويعتاش المشعوذون والمحتالون من جهل بسطاء الناس، الذين زرعت الأجيال في عقولهم خرافات، من الصعب إزالتها. ويقوم هؤلاء «بمخاطبة» الموتى في العالم الآخر وإبلاغ عائلاتهم بأنبائهم وأخبارهم. حتى وانغاري ماثاي، الكينية الفائزة بجائزة نوبل، تقول إنه «كانت قرب منزلنا شجرة توحي بالرهبة، وكنا نحميها بكل قدرتنا. وعندما سافرت في الستينات وعدت وجدت أنها قد اقتلعت من مكانها. شعرت بحزن شديد بسبب ذلك. لقد فقدت شيئا مقدسا حقا».

لا تزال أعداد كبيرة من النسوة المتقدمات في السن يُحرقن في القرى، بداعي أنهن يحملن لعنة ما. وعندما قال بعض السحرة إن أكل الأقزام يشفي من «الإيدز» انخفضت أعداد هؤلاء المساكين! والأكثر فظاعة أن بعض العجائز «الملعونات» لا يُحرقن، بل يقطعن تقطيعا.

«الوسطاء» الذين يخاطبون الأرواح ليسوا ظاهرة موجودة في مجاهل أفريقيا وحدها، بل في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة. وقد شاهدت في السبعينات برامج «حية» كثيرة يقول فيها الحاضرون إنهم سمعوا أصوات آبائهم وأمهاتهم «من دون أي شك في ذلك». لكن هذه حالات معزولة في بلدان قائمة على العلوم، أما في أفريقيا فلا تزال الخرافة السائدة تعتبر البرص نتيجة لعنة ألقاها ساحر غاضب. ويتحكم السحرة في شؤون الناس أكثر من ذوي السلطة الفاسدة، ويبتزون البسطاء في أرزاقهم ويهددونهم في أرواحهم. كعادته، يحول نايبول التحقيق الصحافي المطول إلى عمل أدبي. ويجب الملاحظة أن «قناع أفريقيا» مكتوب بإيقاع بطيء وخال من «الإبهار» الذي طبع معظم أعماله السابقة، خصوصا الروائية منها. إلا، مثلا، حين يعرض عليه ساحر «وصفة» تبعد العنوسة عن ابنته وتجتذب إليها العرسان!