اللاجئون العراقيون في إيران.. أوضاعهم المعيشية

TT

تتناقل المصادر الخبرية الموثوقة، ان اللاجئين العراقيين في الجمهورية الاسلامية الايرانية يعانون من مشكلات كثيرة، يتعلق بعضها بأحوالهم المعيشية، والبعض الآخر بحقوق العمل والسكن والاقامة، وتشير مصادر المعارضة العراقية، الى ان الظروف التي يعيشها العراقيون هناك سيئة للغاية، وقد تهدد حياة المزيد منهم بالضياع والتشتت، وقد لقي الكثير منهم مصيرا مجهولا بسبب اعتراضهم على هذه الاوضاع المأساوية، ذلك ان الحكومة الايرانية قررت حرمان كل عراقي من فرص العمل والدراسة، ونصت على معاقبة كل ايراني يؤوي عراقيا او يبرم معه عقد عمل مهما كان بسيطا، وذلك حتى اذا كان العراقي من اصول ايرانية، وتعود قضية هجرة العراقيين لايران الى بداية الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني، وكان اكثر المهاجرين من ذوي الميول الاسلامية، وقد ازدادت الهجرة اثناء حرب الخليج الاولى، وكان من اسباب ذلك عدم رغبة هؤلاء العراقيين بمحاربة ايران لأسباب دينية ومذهبية، وكان لنداءات الاذاعة الايرانية دورها الفاعل في تصعيد موجة الهجرة الى ايران، وقد انخرط الكثير من هؤلاء العراقيين في صفوف المقاتلين الايرانيين دفاعا عن النظام الجديد ايمانا بشرعيته الدينية، ولهم مقابر جماعية في قم ومشهد وطهران، كما ان اهل الاختصاصات منهم، عملوا في الجامعات والمدارس والمستشفيات، مقابل اجور زهيدة، ولكنهم رضوا بكل ذلك عن قناعة وايمان، مقدرين ظروف الحرب ومقتضياتها. وبعد ان وضعت الحرب اوزارها، وبدأت تظهر مشكلاتها، خاصة في المجال الاقتصادي، خرجت بعض الاصوات الايرانية تطالب بالتضييق على العراقيين بمن فيهم اولئك الذين قدموا خدمات قتالية ومدنية لايران، وقد خلف هذا السلوك شعورا بالمرارة في نفوس الكثير من العراقيين، خاصة ذوي الميول الاسلامية، باعتبار ان ذلك يتناقض مع مبادئ الجمهورية الاسلامية المعلنة، كما انه يعتبر نوعا من انكار الجميل، وقد طالب اكثر من نائب في البرلمان واكثر من صحيفة ايرانية باخراج العراقيين من ايران او تجميعهم في مخيمات على الحدود الايرانية ـ العراقية، لكن الامام الخميني وبعض المراجع الدينية الكبيرة كانت توقف مثل هذه الاجراءات. ومن الجدير بالذكر ان الحكومة الايرانية لم تقم بأي اجراء قانوني لتنظيم وجود هؤلاء العراقيين، الامر الذي عقَّد من امورهم وجعلهم عرضة للمحاسبة والملاحقة من قبل الجهات المختصة، بل عرض هذا الوضع المرتبك الكثير منهم الى السجن والعقوبة. وما يسمى بالكارت الاخضر لم يكن سوى وثيقة هامشية لا قيمة لها، خاصة وقد كتب عليها ما يشير الى عدم اعتبارها اطلاقا. وقد انخرط الكثير من العراقيين في قوات بدر فيما اعتمد آخرون على المساعدات التي تأتيهم من ذويهم الموجودين في ارض المهجر، وآخرون يعملون في مهن صعبة ومتدنية، لكن ايران قررت في الايام الاخيرة حرمان العراقيين حتى من هذه الامتيازات ـ ان كانت امتيازات حقا ـ، وقد زادت في معاملتها السيئة للعراقيين بعد الهجرة الاخيرة على اثر الانتفاضة في بداية التسعينات، وكان آخر القرارات المتخذة في هذا الخصوص هو جمع بعض العراقيين في مخيمات على الحدود النائية، وهناك شائعات مفادها ان الاجراء الجديد تم ربما بالتعاون مع العراق بغية دفعهم الى العودة، الامر الذي يهدد مصير المئات منهم بالموت المحقق. وقد جندت بعض الجهات الايرانية قطاعا واسعا من اعلامها للاساءة الى هؤلاء العراقيين، فقد اطلق عليهم البعض عنوان «الضيوف غير المدعوين»، واتهموا بالاساءة الى الثقافة الايرانية، من قبل وكيل وزير الثقافة والاعلام وحملوهم مسؤولية انهيار الاقتصاد الايراني، بل وصفتهم بعض الصحف الايرانية بالغرباء العملاء! وقد ساهمت هذه الحملة الاعلامية بتكوين رأي شعبي ايراني ضد هؤلاء العراقيين العزل، علما ان الكثير منهم لا يزال يتعامل مع ايران كدولة اسلامية يجب طاعتها والدفاع عنها. وينقل العراقيون مشاهد مؤلمة عن احوال اخوانهم هناك، فطالما تتجول قوات الشرطة في بعض المناطق بحثا عن العراقيين، وقد اغلقت مدارسهم التي اسسوها بجهودهم، واغلقت محلات عملهم التي لا تتعدى بعض النشاطات الاقتصادية المتواضعة، وكثير منهم هرب الى باكستان وافغانستان خوفا من تسليمه الى العراق، بل وهناك من فر الى العراق فعلا ولم يعرف مصيره. وحاصل المعلومات يفيد ان اللاجئين العراقيين هناك معرضون لمخاطر كبيرة، وان على المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤوليته في ذلك، علما ان اكثر الادعاءات الايرانية ذات الاساءة الى اللاجئين العراقيين يعوزها الدليل، فقد قدرت عددهم ما يقارب المليون مع العلم ان عددهم الحقيقي دون ذلك بكثير، وهو الامر الذي وضحه وفد العلماء العراقيين الذي زار وزير الداخلية الايراني أخيرا، ومن المعروف ان الكثير من هؤلاء العراقيين يتلقون مساعدات بالعملة الصعبة من ذويهم خارج ايران مما يساهم في تنشيط الاقتصاد الايراني، وعلى الايرانيين ان لا ينسوا الخدمات الجليلة لايران، خاصة زمن الحرب، اضافة الى ذلك ان هذا الموقف لا يرتضيه دين ولا عرف دولي، كما ان مثل هذه السياسة تثير النزعات العنصرية وتساهم في بث عوامل الفرقة والشقاق بين الشعوب الاسلامية! وهو الامر الذي تعلن ايران وقوفها ضده.

* عضو في لجنة الدفاع عن العراقيين في الخارج