هل انكشف سر وفاة مروان؟

TT

منذ سقوطه من شرفة منزله من الطابق الخامس بعمارة كارلتون هاوس وموته الفوري والتحقيقات البريطانية بوفاة أشرف مروان تصل إلى طريق مسدود، مما جعل السلطات البريطانية تصدر بيانا بأنها وصلت إلى نهاية غير قطعية لا يمكن أن تجزم بانتحاره ولا قتله.

ولكن هناك حقائق ووقائع إذا تم ربطها بدقة ستشكل الصورة الأكبر، وبالتالي من الممكن الإجابة عن السؤال الأهم: من قتل أشرف مروان؟ بداية.. لا بد من التذكير بتصريح الرئيس مبارك عقب وفاة مروان، الذي قال فيه: «إن مروان أدى خدمات وطنية كبيرة لا يمكن التصريح بها الآن». وأقام له جنازة رسمية هائلة حضرها كبار المسؤولين بالدولة من جميع الكوادر الأمنية والتنفيذية. الإسرائيليون صرحوا علنا بأن أشرف مروان كان «رجلهم» في الحكومة المصرية من عام 1969، وأنه في عام 1973 حذر إسرائيل من أن هناك ضربة عسكرية مقبلة ضدها لا محالة، والتحذير قُدم لرئيس جهاز الموساد زافي زامير، وعقب ذلك تحمل الجنرال زيرا، الذي كان وقتها رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، المعروف باسمه العبري (أمان)، مسؤولية الإخفاق، وتم فصله بعد الحرب، وصرح غاضبا بعدها بأن رجل الموساد المزروع في مصر كان في الحقيقة عميلا مزدوجا أعطى إسرائيل معلومات خاطئة.

هوية مروان حتى وقتها كانت سرا ومعروفة لدى عدد محدود جدا داخل قيادات الجهاز الأمني الإسرائيلي، وذلك حتى عام 2002 عندما صرح «زيرا» بذلك للكاتب الإسرائيلي آهرون برجمان في كتاب «تاريخ إسرائيل» بأن الجاسوس الغامض هو قريب لعبد الناصر، وأن الموساد يعرفه باسم «زوج البنت» وبعدها في عام 2003 قام «زيرا» بتسمية مروان كجاسوس القاهرة، مما جعل الغضب ينفجر لدى «زافي زامير» ويجعله يرفع قضية ضد «زيرا». وفي شهر يونيو (حزيران) 2007 حكمت المحكمة الإسرائيلية أن «زيرا» تعمد تسريب هوية مروان، منهية بذلك عراكا وخلافا شخصيين وقضائيين طويلين بين رئيسي جهازي الاستخبارات الإسرائيلية السابقين. ويضيف «زامير» أن موت مروان في لندن هو «نتاج مباشر» لكشف هويته؛ لأنه بذلك كان سيفضح الكثير من بواطن الاستخبارات الإسرائيلية، وهذا بالتالي سيضعف قدرتنا على استقطاب العناصر في المستقبل. وهناك إضافة مهمة من يوسي ميلمان - وهو مرجعية عن الاستخبارات الإسرائيلية - وهي أن أهم ما روج له أشرف مروان لدى الاستخبارات الإسرائيلية هو نظرية «الفكرة»، وهي تقتضي بيع فكرة أن مصر والعرب غير جاهزين ولا جادين في الدخول في حرب، وأن كل ما يقال عن هذا الأمر هو مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي. وأهم من اقتنع بهذه الفكرة كان «زيرا» نفسه، وبالتالي كان يخطط باستمرار على فرضية أن احتمالات الحرب «متدنية جدا» وهو الذي أدى إلى أن تكون للضربة العربية الأولى في الحرب نتائجها الفعالة؛ لأن «زيرا» تعمد عدم التعامل بجدية مع التحذيرات التي كانت تصله عن إمكانية وجود ضربة عسكرية من العرب؛ لأن إسرائيل كانت لا تزال في نشوة انتصارها منذ عام 1967، واللجنة التحقيقية التي أقيمت بعد حرب 1973 برئاسة القاضي الأكبر شيمون أرجنت حملت «زيرا» مسؤولية الإخفاق والتدهور الاستخباراتي، مما جعل ميلمان يكتب عام 2007 مقالا في «هآرتس» حول «نشر فكرة أن مروان كان عميلا مزدوجا».

كان زيرا يحاول إقناع الناس بأن لا مسؤولية عليه، وأن المسؤولية على الموساد، وخبراء الاستخبارات يرفضون كلام «زيرا» هذا. إسرائيل، حتى تزيل الحرج عن نفسها، شكلت لجنة من الخبراء الأمنيين بعد وفاة مروان وقالت، في بيان: إن مروان، الذي عرف باسم «المصدر»، لم يكن عميلا مزدوجا ولم يكن يدار من جهاز المخابرات المصري. ولكن تبقى شواهد مهمة، مثل التقارير التي كان يقدمها مروان لإسرائيل، التي كانت ضبابية وغير قطعية، واختفاء 600 صفحة من مذكراته، التي كانت مشروع كتاب يعد لنشره، وكذلك وجود شخصية «بملامح متوسطية» على شرفته بعد سقوطه، بحسب شهود عيان، كل ذلك وأكثر يشير إلى أن الصراع القديم الداخلي بين قادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد وأمان) اضطرهم إلى تصفية مروان منعا من فضح إخفاقاتهم والكشف عن عجزهم.

[email protected]