معلق بين السماء والأرض

TT

شاهدت الفيلم الأميركي (Up In The Air) - وترجمته (فوق الهواء) أو السماء، وهو من بطولة الممثل (جورج كلوني)، الذي يعتبرونه أشهر عازب في أميركا، وهو ذكرني بوزير الثقافة الفنان العازب فاروق حسني، وقد ضحكت في يوم من الأيام عندما قرأت هجوم شيخ أزهري عليه، وأخذ يشير إليه ويعيره قائلا: هذا الوزير (الأعزب) - وكأن العزوبية أصبحت نقيصة أو مسبة، مع أنني أعتقد أن هناك غالبية عظمى من الرجال المتزوجين يحسدون العزاب على حياتهم، ويتمنون من أعماق قلوبهم لو أنهم أصبحوا مثلهم، ولكن (هيهات) ما باليد حيلة.

ما علينا الآن من ذلك، ودعونا نتناول ذلك الفيلم الذي كان من ضمن الأفلام المرشحة لنيل جائزة من جوائز الأوسكار الأخيرة ولكنه لم ينلها.

وفكرة الفيلم تبلورت بعد الأزمة الاقتصادية الهائلة التي عصفت بأميركا وتداعت لها أرجاء المعمورة بكاملها، مما نتج عن ذلك إفلاس الكثير من الشركات أو على الأقل انخفضت أعمالها وأرباحها، مما حدا بها إلى تقليل وتسريح الكثير من موظفيها، ونتج عن ذلك أيضا قيام شركة اختصاصها الوحيد هو: الطريقة المثالية في إيصال هذا الخبر (المشؤوم) للموظف من دون جرح مشاعره، مع المحافظة على حقوقه إن كانت له حقوق، وقد ازدهرت أعمال هذه الشركة مثلما كان يزدهر قديما عمل (حفار القبور) عندما يجتاح وباء ما قرية صغيرة، طبعا كانت هناك صدمات ومآسٍ، وليس هناك أصعب من مشاهدة البكاء والدموع من رجل في العقد السادس من عمره فقد فجأة ومن دون مقدمات وظيفته، بل إن امرأة عندما أخبروها انتحرت بأن قذفت بنفسها من على الجسر إلى النهر.

بطل الفيلم كانت وظيفته هي السفر المتواصل حول العالم، ولم يمكث في منزله طوال العام سوى 43 يوما كانت بالنسبة له من أسوأ الأيام، وبحكم خبرته في المطارات أخذ ينصح زميلة له جديدة في هذه المهنة قائلا: أنصحك وأنت في المطارات لا تذهبي وراء العجائز والأطفال فهم يعيقونك، ولا كذلك وراء العرب وأصحاب اللحى لأنهم مشبوهون ويدققون عليهم، أنصحك.. اذهبي وراء الآسيويين، خصوصا اليابانيين منهم.

لا شك أن هناك أناسا يتزوجون أعمالهم، وأن هناك أناسا يحبون ازدحام المطارات وضوضاءها، وأن هناك أناسا يغرمون بالجلوس طوال ساعات في ردهات الفنادق يتفرجون على الداخل والخارج.

وأعرف رجلا هوايته الوحيدة في هذه الحياة هي السفر والسكن في الفنادق، ولم أصادفه يوما إلا وهو قادم من المطار، أو ذاهب إليه، جواز سفره يغيره في كل عام عدة مرات من كثرة الأختام.

وهو نشيط جدا وخدوم؛ لهذا وثقت به شركات ورجال أعمال، فكلفوه بجلب عمال وموظفين من الجنسيات كلها ومراجعة السفارات والقنصليات والشركات الأجنبية في مختلف أنحاء العالم، فهو يسافر ويسكن على حسابهم، ولكنني أجزم بل إنني على يقين لو أنهم أجبروه وحددوا إقامته في بلده ومنعوه من السفر، فلا شك أنه سوف يذوي ويمرض، ولا أستبعد أنه سوف يموت بعد ذلك.

بالنسبة لي إنني أحب السفر ولكن ليس إلى هذه الدرجة.

[email protected]