سبات

TT

توازت خلال العقود الماضية حركتان مضطربتان: واحدة تمعن في تعقيد اللغة العربية وتنفير العامة من صعوباتها وتصويرها على أنها لغة نخب لا يمكن للناس اعتمادها، وأخرى تغالي في التبسيط وتدعو إلى الإنصراف عن الفصحى الى عامية محكية لا جهد فيها ولا تصبب عرق ولا خوف من الخطأ.

لم تنجح الحركة الأولى في تكثير جمهورها، ولا في اجتذاب طالبي التبسيط، ولا نجحت الثانية في الحلول محل اللغة الأم، وإقامة لغة بديلة، فقد ظلت مجرد ألفاظ تبسيطية مأخوذة من أصل عربي واضح، بالإضافة إلى أن اللهجات المحلية، المختلفة والمتفاوتة، حالت دون وضع أي «قواعد» عامة، أو الاتفاق على أي مصطلحات تتناسب مع ضرورات «الحداثة»، التي يتذرع بها دعاتها.

جرت محاولات التبسيط في مصر وفي لبنان. وتبناها شعراء مثل نازك الملائكة في العراق أو صلاح عبد الصبور. و«طعّم» الصحافيون المصريون كتاباتهم بالتعابير الشعبية، أحيانا بنجاح وعذوبة، كما في حال سناء ألبيسي. لكن دعاوى العامية أفلت قبل أن تجد لنفسها مكانا أو حيزا يذكر. وكان من أشهر دعاتها في لبنان الشاعران سعيد عقل ويوسف الخال. وفشلت الحملتان دون أثر. ويذهب الدكتور جورج طراد في كتابه «على أسوار بابل» إلى أن حملة يوسف الخال لم تكن بريئة ولها دوافع سياسية خارجية. ويقول إن الأحزاب على اختلاف اتجاهاتها، من الشيوعي إلى الكتائب، حاولت التقرب من الجماهير عبر العامية. لكن حزب الكتائب الذي اشتهر بخطبائه، كان يجذب عشرات الآلاف للإصغاء اليهم يتبارون في لغة الضاد لا في ترديد الأزجال الشعبية.

الحركتان في شبه سبات الآن. وربما أدى سبات الأولى إلى سبات الأخرى، أو العكس. وليس في الوسط الأدبي من هو في حماس صديقنا الراحل يوسف الخال، الذي جعل الحداثة هدفه الأوحد والتراث هاجسه الوحيد. ويتهمه الدكتور طراد بأنه لم يكن متضلعا بما يكفي في التراث العربي ولا في قضايا اللغة، بعكس ما كان عليه في الثقافة الغربية التي شغفته حتى اساءت إلى موقفه من لغته.