بارانويا

TT

هل هناك شيء في هذا العالم لا تكون إسرائيل، أو جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، أو على الأقل جماعة داعمي إسرائيل في الولايات المتحدة، مسؤولة عنه؟

ونظرا لحالة السخط التي تثيرها حول العالم ربما يحلو للبعض، على الأقل الكثير من الدول، وكل الشخصيات النافذة والرؤساء ورؤساء البرلمانات ورؤساء الوزراء والوزراء الاعتقاد بأن إسرائيل تقف خلف كل ما يحدث. ونتيجة لهذه التصورات المنحرفة عانت دولة إسرائيل الكثير من التجارب المؤلمة للغاية وبعض أسوأ الجرائم ضد البشرية، وبالنسبة لدولة عدد سكانها أقل من 10 ملايين نسمة من جملة سكان العالم الذين يقدرون بالمليارات، لا ينبغي أن يكون سهلا على الإطلاق الوصول إلى مثل هذا التصور.

فمن الذي يقف خلف «ويكيليكس» أهو إنجليكاني أميركي من المحافظين الجدد - متأثر على نحو خاص بجماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة - العقول المسيطرة خلف «ويكيليكس»؟ وهل الموساد ذاته متورط في هذه الحرب النفسية الإلكترونية؟

الحقيقة أنه لم ينشر حتى الآن سوى جزء صغير من 250.000 مراسلة دبلوماسية أميركية يزعم «ويكيليكس» أنه حصل عليها، لكن أيا من هذه الوثائق على ذكر الأعمال العدوانية البشعة التي قامت بها في الأراضي المحتلة في فلسطين تجاه المدنيين الفلسطينيين، خاصة العملية الأخيرة في قطاع غزة.

لم تكن هناك أي وثائق بين تلك التي نشرت تتناول الهجوم الإسرائيلي على لبنان أيضا، ربما تكون إسرائيل قد عانت بعض الخسائر في صفوف المدنيين، لكن الوثائق حتى الآن لم تتناول أيا من المصالح الإسرائيلية، وقد أشار الرئيس عبد الله غل ورئيس البرلمان محمد علي شاهين ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والوزراء والصحافيون إلى احتمالية أن يكون هذا الكشف للمراسلات الدبلوماسية الأميركية المنتقاة من قبل «ويكيليكس» مكيدة من قبل إسرائيل؟

علاوة على ذلك، هل يمكن لأي شخص أن يفسر كيفية احتفاظ «ويكيليكس» بالموقع وإدارته - كان الموقع قد تعرض للإغلاق لمدة ساعة لكنه عاود العمل مرة أخرى بـ«آي بي» جديدة – مع أن الولايات المتحدة الدولة المتقدمة في تكنولوجيا الاتصالات ويقال إنها تملك وسائل مراقبة كل أنواع الاتصالات الإلكترونية على هذا الكوكب كانت متضررة بشدة من نشر وثائق «ويكيليكس»، وترغب في وقفها؟

لقد دأبت السفارة الإسرائيلية في أنقرة على الإنكار بأن إسرائيل ربما تكون قد قدمت أي نوع من الدعم لـ«ويكيليكس». حسنا، لكن بعد قراءة ما يقوله الدبلوماسيون عن المسؤولين الأتراك، وتذكر في الوقت ذاته كيف كانوا يمتدحون نفس الشخصيات في اللقاءات العامة، ربما يتبادر لدى البعض شكوك بشأن ما إذا كانت بيانات السفارة الإسرائيلية تعكس الحقيقة. في الوقت ذاته، كم سيكون من الصواب تحليل الوثائق للوصول إلى «المستفيد منها» والتوصل إلى بعض النتائج السريعة بشأن السبب في نشر جزء بسيط من الوثائق؟

ألا يزال من الممكن أن نشهد اتهام إسرائيل للبعض بنشر الجهود الخاصة بتأسيس حزب كاديما أو المراسلات العنيفة بين القادة الأميركيين والإسرائيليين بشأن الوحشية الإسرائيلية في غزة ولبنان وفي مناطق أخرى؟ هل لا تزال مثل هذه الوثائق تعتبر مصالح إسرائيلية؟

وبالمثل ربما يكون من يلعبون دور الضحية ويأملون في الاستفادة منها في الانتخابات أن ينتهي بهم الأمر خلال ستة أشهر إلى الخجل من أنفسهم، على غرار ما وقع في عام 2003 من نشر المحادثات السرية حول حرب العراق؟ وماذا لو كشفت تفاصيل اللقاءات بين بعض الأفراد الذين أصبحوا فيما بعد مؤسسي الحزب الحاكم في تركيا وبعض الدبلوماسيين في إسطنبول؟ وماذا إذا كشف ما دار في عشاء العمل في قنصلية حليف أميركي رئيسي؟

وماذا إذا شرحت الوثائق السر في أن شخصا ما لم يكن في موقع تنفيذي عاد إلى تركيا، أو من لم يكن برلمانيا في ذلك الوقت، يمكن أن يلقى استقبالا رئاسيا في واشنطن؟ رئيس الوزراء الذي اشتاط غضبا لزعم تافه ولا أساس له من الصحة بأنه يملك ثمانية حسابات مصرفية مختلفة في سويسرا بحسب أحد المراسلات المنشورة أملا في إظهار نفسه بمظهر الضحية لكي يستغلها في الانتخابات القادمة ربما ينتابه الإحباط إذا علم ما قاله أحد كبار مساعديه في واشنطن، من أن الولايات المتحدة يجب ألا تنفض الأقذار عن رئيس الوزراء، بل لا بد عليها أن تستغله.

ربما يكون من الحكمة تجنب الوصول إلى الاستنتاجات السريعة والسهلة قبل رؤية قدر كبير على الأقل من المراسلات الدبلوماسية منشورا.. ومن المستفيد من هذا التسريب، ومن الضحايا، والأبيض والأسود الذي قد يتغير بصورة كلية غدا.

وحتى يحين ذلك ربما يجدر بنا التخلي عن البارانويا وهذا الهلع المبالغ فيه..

* بالاتفاق مع صحيفة «حريت ديلي نيوز» التركية