الحريات في زمن الخوف

TT

في اعقاب العملية الارهابية في 11 سبتمبر (ايلول) لا يوجد ما هو اهم من ضمان حماية الشعب الاميركي على ارضه. ولكن يجب الا تؤدي الحاجة للقيام بشيء في اوقات الخوف الى التضحية بالتزاماتنا الدستورية بالحرية.

لقد اقترحت ادارة بوش منح الحكومة سلطات موسعة، بما في ذلك سلطة واسعة للتجسس الالكتروني والقدرة على اعتقال وطرد المهاجرين، ليس بسبب اعمالهم ولكن لعلاقاتهم، كما اقترح البعض ان اساليب التعامل مع العرب بسبب انتماءاتهم العرقية والعنصرية مبررة.

غير ان احدا لم يقدم قضية متكاملة في شأن ان اجهزة استخباراتنا فشلت في استكشاف مؤامرة 11 سبتمبر لأننا نفتقر الى قدرات المراقبة. وفي الواقع فان لدى الحكومة سلطات موسعة غير عادية للتنصت والتحقيق واحتجاز وترحيل ومحاكمة الارهابيين.

وينبهنا التاريخ دائما الى الحذر. ففي اوقات الخوف تكون ردود فعلنا مبالغا فيها دائما، ونتجه الى استهداف جماعات بأكملها من الناس لمجرد الشك بدلا من التركيز على هؤلاء الذين شاركوا في سلوك اجرامي. ومن المرجح ان مثل رد الفعل هذا يؤدي الى نتائج عكسية في المعركة ضد الارهاب.

قبل 80 سنة تعرضت الولايات المتحدة لسلسلة من التفجيرات ذات الاهداف السياسية، بما فيها الانفجار الذي وقع في مسكن المدعي العام ميتشل بالمر.

وفي «غارات بالمر» القت القوات الفيدرالية في 33 مدينة القبض على ستة الاف شخص معظمهم من المهاجرين، للاشتباه في علاقتهم بقضايا راديكالية، وتعرض المشتبه فيهم للضرب والاعتقال في زنازين مزدحمة واجبروا على توقيع اعترافات.

وخلال الحرب العالمية الثانية اعتقلت الحكومة 120 الف مواطن ومهاجر، ليس بسبب اصرار فردي على انهم يمثلون خطرا ولكن لأنهم من اصول يابانية. كما أدى الخوف من التهديد السوفياتي في الاربعينات والخمسينات الى فرض عقوبات مدنية وجنائية على الافراد لمجرد علاقتهم بالحزب الشيوعي، حتى لو كانت تلك العلاقات مرتبطة بالنشاط القانوني للحزب مثل تنظيم الانشطة العمالية.

وفوّض الكونغرس غداة انفجار اوكلاهوما ادارة الهجرة والتجنيس بترحيل المهاجرين على اساس ما اطلق عليه «الدليل السري»، كما اصبح جريمة ان يقدم أي شخص دعما الى أي منظمة اجنبية مدرج اسمها على قائمة وزارة الخارجية الاميركية الخاصة بالدول التي تدعم وترعى الارهاب، حتى اذا كان هذا الدعم مخصصا لنشاطات قانونية.

ادركنا حينها ان غالبية ردود الفعل تلك كانت خاطئة، ودفع الكونغرس تعويضا للمعتقلين اليابانيين عام .1989 واعتبرت القوانين المناهضة للشيوعية في نهاية الامر قوانين غير دستورية او باطلة، كما ان بوش نفسه اعرب عن مخاوفه ازاء ممارسة ادارة الهجرة والتجنيس لإجراء «الدليل السري».

مع ذلك، في غمرة الفزع والغضب بعد 11 سبتمبر لم تكن الاصوات الداعية لضبط النفس تُسمع بسهولة. فالشعور العام بالفزع والغضب غداة أي هجوم او اعتداء لا يجعلنا نشعر بالقيود التي تفرض على الحريات المدنية كنتيجة مباشرة للاجراءات التي تتخذها الجهات الامنية. إن علينا ان نقاوم أية اجراءات لا نرغب نحن في فرضها علينا. ان فرض اجراءات امنية في المطارات على المسافرين كافة، على سبيل المثال، ستعكس في الغالب توازنا حقيقيا بين الأمن والحريات لأن لنا جميعا مصلحة في ايجاد هذا النوع من التوازن، الا ان الاجراءات التي تستهدف مجموعات محددة او افرادا بعينهم ربما يساء استخدامها. يضاف الى ما سبق ان ربط التهم والشبهات بمجموعة عرقية دون سواها يقود الى الفشل والاخفاق في جمع المعلومات الاستخباراتية ويعرقل الجهود الامنية. فخلال السنوات الخمس عشرة الاخيرة، على سبيل المثال، اعتقلت ادارة الهجرة والتجنيس عربا على اساس «الدليل السري» ذي الصلة بانتماءاتهم السياسية. وقد اوجد هذا الاسلوب الكثير من الشكوك لدى العرب الاميركيين ازاء تدخل السلطات الفيدرالية، الشيء الذي يجعل من مهمة تحديد المخاطر الحقيقية اكثر صعوبة.

باختصار، انني ممن يعتقدون ان انتهاك الارهابيين لكل مبادئ الاخلاق والقانون يجب ان يجعلنا اكثر حرصا على التمسك بمبادئنا. وهو ما يجعلني اتذكر نص قرار المحكمة الدستورية العليا عام 1967 الذي ابطل قانون مكافحة الشيوعية، والذي جاء فيه: «سيكون ضربا من السخرية اذا قررنا باسم الدفاع الوطني اجهاض واحدة من هذه الحريات ـ حرية الانتماء ـ التي تجعل الدفاع عن البلاد امرا جديرا بالاهتمام».

*أستاذ قانون في جامعة جورج تاون ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»