الخليج بلا مجلس!

TT

الخليجيون أكثر من ينتقد مجلسهم التعاوني، وأكثر من يتمسك به. الخليجيون أنفسهم، لا غيرهم، من يهاجمون المجلس بشراسة، لكنهم لا يقبلون أن تمس أي من مكتسباته. الكثير منهم لا يترددون في المجاهرة بأن القمم السنوية لا تضيف جديدا، وأصبحت تقليدا لا غير، ومع هذا تجدهم يتسمرون أمام شاشات التلفزة لمتابعة لقاء قادتهم. فلماذا إذن هذا التناقض في علاقة الشارع الخليجي بمجلسه التعاوني؟

صحيح أن مواطني الخليج يرون أن التأخر في بلوغ تحقيق احتياجاتهم الحقيقية، كان له دور رئيسي في هذا الانطباع السلبي، الذي استمر حتى بعد تحقق شيء منها؛ فعلى سبيل المثال، ظل المجلس في العشرين عاما الأولى، دون أي مشروع حقيقي يمس مصالح مواطنيه مباشرة، وكانت أبرز إنجازاته، على مدار العقود الثلاثة الماضية، الاتفاقية الاقتصادية، التي أقرها قادة المجلس في قمة مسقط عام 2001، لكن لم يبدأ تفعيلها إلا مؤخرا، بالإضافة إلى حرية التنقل بين دول المجلس، التي كانت أبرز مطالب مواطني الخليج على مدى سنوات طوال، فلما أقرت، اعتبروها لا تصل إلى مستوى تطلعاتهم.

ومع هذا، من قال أصلا إن المجلس أسس، فقط، ليقدم خدمات، بقدر ما هو مظلة أمنية وسياسية، لمواطنيه تقيهم غدر الزمان، ناهيك عن غدر الجيران؟! وإذا كان الشارع الخليجي محقا في سقفه العالي الذي يتمناه، فإن الأمور لا يمكن أن تدار بالأماني؛ فالمؤسسات الخليجية لم تستكمل بنيانها حتى هذه اللحظة، وهو أمر يجب النظر إليه بواقعية، بعيدا عن المقارنة غير العادلة، والمعتادة، بين المجلس والاتحاد الأوروبي. فهذا الأخير تأسس بين دول يعود تاريخ مؤسساتها الرسمية إلى مئات السنين، بينما دول التعاون الست، دول حديثة جدا، بالإضافة إلى أن ثلاثا منها (الإمارات وقطر والبحرين) تأسست قبل نحو أربعة عقود فقط، وانضمت إلى المجلس بعد عشر سنوات من استقلالها، فهل من العدل المقارنة مع الاتحاد الأوروبي؟

ولنكن أكثر إنصافا لهذا المجلس، الذي يؤكد قادته، باستمرار، أن ما تحقق لا يلبي تطلعات مواطنيهم. فلو تخيلنا المشهد مقلوبا، أي أننا ونحن مقبلون على عام 2011، بينما دول الخليج بلا مجلس يجمعها، وشعوبها بلا مظلة تحميهم، فما الذي ستكون عليه الحال؟ كيف كانت لهذه الدول مواجهة الحرب العراقية - الإيرانية، والغزو السوفياتي لأفغانستان، وكذلك الغزو الإسرائيلي للبنان، وما بعد الغزو الصدامي للكويت، ومؤخرا الحرب الأميركية على العراق، بل كيف كانت دول التعاون، ستواجه منفردة، الجار الإيراني على الضفة الشرقية من الخليج، وهو الذي يفاخر باحتلاله جزرا إماراتية، ويزعم، ببجاحة، أن البحرين محافظة إيرانية.. بخلاف تدخلات طهران، بين الحين والآخر، في الشؤون الداخلية لدول المجلس؟ ألا تسعى طهران إلى تحويل الخليج إلى بحيرة إيرانية؟ أليست طهران من تصر على أن الخليج العربي.. فارسي، وأنه من ملحقات إمبراطوريتها البائدة؟ ألن تكون دول المنطقة الأكثر ضررا من مشروع طهران النووي؟ فإذا كان كل هذا يحدث، بوجود مجلس يجمع الدول الست، فكيف سيكون الأمر من دونه؟

الإجابة ببساطة أن دول التعاون ستجد نفسها في حال غير الحال. سيقل الترابط بين الحكومات.. ستبحث كل دولة عن مصالحها. الخليجيون، بدورهم، سيجدون أنفسهم أنهم غدوا أبعد ما يكونون عن بعضهم، وأقرب مما يتصورون من غيرهم! ستبتعد المسافات آلاف الأميال، وسيكون المواطن الخليجي، لا غيره، في نهاية المطاف، أول الخاسرين وأشد النادمين.

مجلس التعاون، بقدر ما هو بحاجة إلى تعاطي دوله الست بنظرة استراتيجية، لا تكتيكية، مع القرارات الصعبة والاستراتيجية المنتظرة منهم، بقدر ما هو بحاجة إلى جرعات ثقة عالية، تسهم في إبحار سفينة المجلس بلا عواصف عاتية، بدلا من تكسير مجاديفها، كما هو حاصل حاليا، أما إذا استمر أبناء الخليج، في النظر لمجلسهم وكأنه غير ذي جدوى، فلا نجد غير تذكيرهم، من جديد، بالقول: هل تخيلتم كيف ستكون حالكم لو وجدتم أنفسكم يوما ما، بلا مجلس؟

[email protected]