الأزمات والكوارث.. واستغلال الجماهير

TT

الأزمات والكوارث الطبيعية أو من صنع الإنسان، التي تتعرض لها الدول والشعوب تعتبر مؤشرا مهما للحكم على مدى تقدم الدول وجاهزيتها في التعامل معها، وكذلك مدى تعاطف المجتمع والأفراد وتماسكهم.

وعلى الرغم من أن استغلال الجماهير بكل صوره وأشكاله مرفوض ومنهي عنه في الأوقات والظروف كلها، فإنه في وقت الأزمات يعتبر جريمة، فمن الملاحَظ أنه عند وقوع الأزمات تنشط كثير من فئات المستغلين من ذوي الضمائر الضامرة الميتة، ومنهم بعض التجار الذين يستغلون الأفواه الجائعة وحاجات الأفراد لرفع الأسعار أو التخلص من سلع مكدسة لديهم قد تكون غير مطابقة للمواصفات والقياسات العالمية، رديئة النوعية ومخالِفة لشروط الصحة والسلامة، لتنتعش جيوبهم وتنفرج أساريرهم.

لقد حثت الشريعة الإسلامية التجار على تحقيق التوازن بين مصالحهم ومصالح الجماهير، ونهت عن التضييق عليهم واستغلال حاجتهم، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى (أي طالب بما له من ديون وحقوق عند الناس)» (رواه البخاري)، وروى ابن ماجة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: «من احتكر على المسلمين ضربه الله بالجذام والإفلاس»، وفي رواية لابن ماجة والحاكم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الجالب (أي التاجر) مرزوق، والمحتكر ملعون»، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الناس: يا رسول الله، غلا السعر فسعر لنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله هو المسعر (أي يضع السعر بإرادته وحده سبحانه)، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال». والمعنى الإجمالي أن الأمر موكول لله تعالى، يوسع ويضيق بإرادته ويرفع ويخفض بمشيئته.

وأثنى الرسول الكريم على التاجر الصدوق في بيعه وشرائه؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء» (رواه الترمذي).

هذه الأحاديث النبوية الشريفة وغيرها تدل دلالة واضحة على حرمة التسعير والربح المبني على الاحتكار والاستغلال.

من جانب آخر، وفي الوقت الذي تقف فيه فرق الإنقاذ عاجزة عن مساعدة المحتاجين والمتضررين، نجد فئة أخرى من الجماهير تستغل هذه الأوقات والظروف في التفنن في أساليب السلب والنهب وجمع الغنائم ومزاحمة ذوي الحاجات، فعند توزيع المواد الغذائية وإمدادات الإغاثة على المحتاجين نشاهد صورا ومشاهد لمعادن البشر تظهر خفايا النفس البشرية وقت الشدائد، بعضها مؤلم والآخر مفرح، نشاهد صورا للأثرة والأنانية والعنف، من تخاطف لكميات كبيرة من السلع ومواد الإغاثة الأساسية وتدافع وتشاجر وتشابك بالأيدي والأقدام، وصورا أخرى رائعة للإيثار والتعاطف والتماسك وإنقاذ الضحايا في أرقى صورها.

وفي الغالب يظهر استغلال الجماهير في ظل غياب الإعداد والاستعداد والتخطيط الجيد والآليات المبتكرة الفعالة من الدولة والمجتمع لمواجهة هذه الأزمات.

الأزمات والكوارث فرصة للعطاء ودعوة عاجلة للتعاطف لا للتخاطف، للإيثار لا للشجار، للتكافل لا للتقاتل، رحمة بالأفواه الجائعة والأجسام المنهكة.

لهذا.. فمن المهم إعداد الأفراد وتربية الناشئة مبكرا على كيفية وسبل مواجهة الأزمات والحد منها، خاصة أن علم إدارة الأزمات والكوارث أصبح من العلوم الحديثة والمجالات المهمة الآخذة في الانتشار والاهتمام عالميا، التي تتطلب الإسراع في تنسيق الجهود الوطنية والمجتمعية والفردية ونشر الوعي الثقافي بآليات إدارتها، للحد من أخطارها ووقوعها واستغلال الجماهير لها.

مع خالص تحياتي.